للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِانْفِرَادِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا شَجَرًا قَائِمًا عَلَى أَنَّ لَهُ الشَّجَرُ وَأَرْضُهُ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثُمَّ بَالَغَ، أَوْ غَضَّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَانَ هَذَا كِرَاءً جَائِزًا كَمَا يَكُونُ بَيْعًا جَائِزًا (قَالَ الرَّبِيعُ) يُرِيدُ أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ الشَّجَرَ وَأَرْضَ الشَّجَرِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ تَكَارَى الْأَرْضَ بِالثَّمَرَةِ دُونَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ قَدْ حَلَّ بَيْعُهَا جَازَ الْكِرَاءُ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا لَمْ يَحِلَّ الْكِرَاءُ بِهَا. قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فَكَانَتْ الْآيَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ عَلَى إحْلَالِ الْبَيْعِ كُلِّهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْهَلُوا مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ، تَخُصُّ تَحْرِيمَ بَيْعٍ دُونَ بَيْعٍ فَنَصِيرُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ خَاصًّا وَعَامًّا وَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمِ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: التَّفَاضُلُ فِي النَّقْدِ، وَالْآخَرُ: النَّسِيئَةُ كُلُّهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ، وَكَذَلِكَ أَصْنَافٌ مِنْ الطَّعَامِ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ فَحُرِّمَ فِي هَذَا كُلِّهِ مَعْنَيَانِ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَأَبَاحَ التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَحَرَّمَ فِيهِ كُلِّهِ النَّسِيئَةَ فَقُلْنَا: الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ نَصَّهُ فِي الْخَبَرِ وَقُلْنَا كُلُّ مَا كَانَ مَأْكُولًا وَمَشْرُوبًا هَكَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَا نَصَّ فِي الْخَبَرِ، وَمَا سِوَى هَذَا فَعَلَى أَصْلِ الْآيَتَيْنِ مِنْ إحْلَالِ اللَّهِ، الْبَيْعَ حَلَالٌ كُلُّهُ بِالتَّفَاضُلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً فَكَانَتْ لَنَا بِهَذَا دَلَائِلُ مَعَ وَصْفِنَا، مِنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ» وَأَجَازَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ هَذَا الْخَبَرُ مَا جَازَ فِيهِ إلَّا هَذَا الْقَوْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْ قَوْلٍ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ الشَّيْئَانِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَعَيْنًا بِعَيْنٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ كَمَا يَكُونُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً كَمَا يَكُونُ الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ وَالتَّمْرُ بِالْحِنْطَةِ.

ثُمَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ يَدًا بِيَدٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رِحْلَتُهُمَا وَنَجَابَتُهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ يَدًا بِيَدٍ كَانَتْ النَّسِيئَةُ أَوْلَى أَنْ لَا تَجُوزَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ يَخْتَلِفَانِ فِي الرِّحْلَةِ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ قَدْ يَخْتَلِفُ فِي الْحَلَاوَةِ وَالْجَوْدَةِ حَتَّى يَكُونَ الْمُدُّ مِنْ الْبَرْنِيِّ خَيْرًا مِنْ الْمُدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلٌ بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَمْرَانِ يُجْمَعَانِ مَعًا عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرَانِ جِنْسٌ يَجْتَمِعَانِ عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ مِنْهُ مَا يَكُونُ الْمِثْقَالُ ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا لِجَوْدَتِهِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْمِثْقَالُ بِشَيْءٍ أَقَلَّ مِنْهُ بِكَثِيرٍ لِتَفَاضُلِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَفَاضَلَا أَنْ يُبَاعَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَيُجْمَعَانِ عَلَى صَاحِبِهِمَا فِي الصَّدَقَةِ، فَإِمَّا أَنْ تَجْرِيَ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ كَمَا قُلْنَا وَبِالدَّلَائِلِ الَّتِي وَصَفْنَا، وَبِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يُسَلَّمَانِ فِيمَا سِوَاهُمَا بِخِلَافِ مَا سِوَاهُمَا فِيهِمَا، فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ الْمُتَحَكِّمُ فَيَقُولُ مَرَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِنْسِ لَا يَجُوزُ الْفَضْلُ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قِيَاسًا عَلَى هَذَا.

ثُمَّ يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى لَيْسَ هُوَ مِنْ هَذَا فَإِنْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لِأَحَدٍ جَازَ لِكُلِّ امْرِئٍ أَنْ يَقُولَ مَا خَطَر عَلَى قَلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْخَاطِرَ لَا يَعْدُو أَنْ يُوَافِقَ أَثَرًا، أَوْ يُخَالِفَهُ، أَوْ قِيَاسًا أَوْ يُخَالِفَهُ، فَإِذَا جَازَ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ بِالْأَثَرِ وَتَرْكُهُ وَالْأَخْذُ بِالْقِيَاسِ وَتَرْكُهُ لَمْ يَكُنْ هَا هُنَا مَعْنًى إلَّا أَنْ يَقُولَ امْرُؤٌ بِمَا شَاءَ، وَهَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى النَّاسِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْإِجَارَةُ كَمَا وَصَفْت بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَأْجِرَ الْعَبْدَ سَنَةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَتُعَجِّلَ الدَّنَانِيرَ، أَوْ تَكُونَ إلَى سَنَةٍ، أَوْ سَنَتَيْنِ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>