وَهَبَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ، أَوْ دَبَّرَتْ، أَوْ كَاتَبَتْ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَهَا مِلْكٌ تَامٌّ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ يَكُونُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَكَانَ شَرِيكُهَا فِيهِ، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مِلْكَهَا فِيهِ تَامٌّ كَمَا يَتِمُّ مِلْكُ مَنْ دَفَعَ الْعِوَضَ بِالْعَبْدِ ثُمَّ انْتَقَضَ مِلْكُهَا فِي نِصْفِهِ فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يَتِمُّ مِلْكُهَا ثُمَّ يُنْتَقَضُ؟ قُلْت لَيْسَ فِي هَذَا قِيَاسٌ هُوَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إذَا طَلَّقَهَا فَإِنْ قِيلَ لَك كَيْفَ يُنْتَقَضُ نِصْفُهُ رَأَيْت ذَلِكَ جَهْلًا مِمَّنْ يَقُولُهُ؟
وَقُلْت: هَذَا مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ وَتَزْعُمُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا فَدَلَّسَ لَهُ فِيهِ عَيْبٌ كَانَ مِلْكًا صَحِيحًا إنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ، أَوْ أَعْتَقَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَشَاءَ حَبَسَهُ بِالْعَيْبِ حَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ حَبَسَهُ وَشَاءَ نَقْضَ الْبَيْعِ، وَقَدْ كَانَ تَامًّا نَقَضَهُ، وَقَدْ يَبِيعُ الرَّجُلُ الشِّقْصَ مِنْ الرَّجُلِ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي تَامَّ الْمِلْكِ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَهَبَ وَيَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ ذُو الْمَالِ فِي مَالِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ فَأَرَادَ أَخْذَهُ مِنْ يَدَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَارِهًا أَخْذَهُ، وَقَدْ نَجْعَلُ نَحْنُ وَأَنْتَ مِلْكًا تَامًّا وَيُؤْخَذُ بِهِ الثَّمَنُ ثُمَّ يُنْتَقَضُ بِأَسْبَابٍ بَعْدَ تَمَامِهِ فَكَيْفَ عِبْت هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَأَنَّ مَا نَقُولُهُ فِي الْإِجَارَةِ إذَا فَاتَ الشَّيْءُ فِيهِ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَمْ يَكُنْ إلَى الِاسْتِيفَاءِ سَبِيلٌ وَيَرُدُّ الْمُسْتَأْجِرُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ كَمَا يَرُدُّهُ لَوْ اشْتَرَى سَفِينَةَ طَعَامٍ كُلُّ قَفِيزٍ بِكَذَا فَاسْتَوْفَى عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا ثُمَّ هَلَكَ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّعَامِ رَدَدْنَاهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ وَأَلْزَمْنَاهُ عَشْرَةً بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَأَنْتَ تَنْقُضُ الْمِلْكَ وَالْأَعْيَانَ الَّتِي فِيهَا الْمِلْكُ قَائِمَةٌ ثُمَّ لَوْ عَابَك أَحَدٌ بِهَذَا قُلْت: هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَإِنْ كَانَ فِي نَقْضِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ قَدْ فَاتَتْ عَيْبٌ فَنَقَضَ الْمِلْكَ وَالْعَيْنَ الْمَمْلُوكَةَ قَائِمَةٌ أَعَيْبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَيْبٌ فَعَيْبُهُ فِيهِ جَهْلٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ قَالُوا فِيهَا أَيْضًا إنْ دَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْإِجَارَةَ كُلَّهَا إلَى الْمُؤَجِّرِ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ الْبَيْتَ، أَوْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَلَمْ لَا يَرْجِعْ بِهِ فَهُوَ لَمْ يَهَبْهُ، وَلَمْ يَقْطَعْ عَنْهُ مِلْكَهُ إلَّا بِأَمْرٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ، وَلَا يَحِقُّ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَسْكُنَ، أَوْ يَرْكَبَ وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهُ بِاسْمِ الْإِجَارَةِ لَا وَاهِبًا لَهُ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لَا يَلْزَمُهُ بِهَا دَفَعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ مَتَى شَاءَ ثُمَّ قَالَ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ أَعْجَبَ مِنْ هَذَا قَالَ إنْ تَكَارَى دَابَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَجِبْ مِنْ الْمِائَةِ شَيْءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَهَا دَنَانِيرَ يَصْرِفُهَا كَانَ حَلَالًا فَقِيلَ لَهُ أَتَعْنِي بِهِ تَحَوُّلَ الْكِرَاءِ إلَى الدَّنَانِيرِ وَتَنْقُضُهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ؟ قَالَ لَا: وَلَكِنَّهُ يُصَارِفُهُ بِهَا بِسِعْرِ يَوْمِهِ قُلْنَا أَوْ يَحِلُّ الصَّرْفُ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ؟ قَالَ هُوَ وَاجِبٌ فَلَمَّا قَالُوا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلًا دَفَعَ مَكَانَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ سِلْعَةً بِمِائَةٍ أَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مِائَةً، وَلَمْ يُسَمِّ أَجَلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْمِائَةَ مَكَانَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا وَقَوْلُك فِي الْوَاجِبِ كُلِّهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهُ أَجَلًا فَكَيْفَ قُلْت فِي الْمُسْتَأْجِرِ الْإِجَارَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَارِفَ بِهَا وَالْإِجَارَةُ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ: هِيَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا سَنَةً فَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَالْمِائَةُ الدِّرْهَمِ الَّتِي اسْتَأْجَرَ بِهَا الْعَبْدَ السَّنَةَ لَازِمَةٌ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ قِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِيهِ إنْ مَرِضَ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ السَّنَةِ، أَوْ شَهْرًا مِنْ أَوَّلِهَا، أَوْ وَسَطِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخِدْمَةِ؟ أَلَيْسَ إنْ قُلْت يَنْتَظِرُ، فَإِذَا صَحَّ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ؟، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حِصَّةَ الْأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ الشَّهْرِ قَدْ كَانَتْ فِي وَقْتٍ لَازِمٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ عَنْهُ، أَوْ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ بَطَلَ فَإِنْ جَعَلْت لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرٍ، أَوْ شَهْرًا مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى، فَقَدْ جَعَلْت أَجَلًا بَعْدَ أَجَلٍ وَنَقَلْت عَمَلَ سَنَةٍ فِي سَنَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ قُلْت وَاجِبَةٌ إنْ كَانَتْ فَهَذَا الْفَسَادُ الَّذِي لَا شَكْلَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مِنْ عَيْنِ مَعْرُوفٍ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْرُوفَةٌ بِتَمْلِيكِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ مَغِيبًا لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ الْعَبْدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute