الْإِجَارَةِ، أَوْ فِي إنْفَاذِهِ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمَا وَاحِدٌ قَدْ أَوْجَبَ الْمَيِّتُ فِي كِلَيْهِمَا حَقًّا عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فَلَا نَفْسَخُهُ بِوَجْهٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ مَنْ أَوْجَبَهُ لَهُ عِنْدَنَا بِحَالٍ، وَعِنْدَك إلَّا مِنْ عُذْرٍ ثُمَّ تَفْسَخُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْإِجَارَةِ مِمَّا لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي حَيَاةِ الْمُؤَاجِرِ وَالْعُذْرُ أَيْضًا شَيْءٌ مَا وَضَعْته أَنْتَ لَا أَثَرًا، وَلَا مَعْقُولًا وَأَنْتَ لَا تَفْسَخُهُ بِعُذْرٍ، وَلَا غَيْرِ عُذْرٍ فِي الرَّهْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي هَذَا فَرْقٌ كِلَاهُمَا أَوْجَبُ لَهُ فِيهِ مَالِكَهُ حَقًّا جَائِزًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَك فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَا مَعًا بِكُلِّ حَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَزُولَ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ فَيَزُولُ الْآخَرُ، أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: وَضَعْت الْعُذْرَ تَفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةَ وَأَنَا أُبْطِلُهُ فِي الْإِجَارَةِ وَأَضَعُهُ فِي الرَّهْنِ فَأَفْسَخُ بِهِ الرَّهْنَ أَتَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ؟ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِمُسْلِمٍ وَكَانَ الْحَقُّ حَلَالًا لَمْ يَفْسَخْهُ عُذْرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ الْحَقُّ الْوَاجِبُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): مَعَ كَثِيرٍ مِنْ مِثْلِ هَذَا يَقُولُونَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يُوصِي لِلرَّجُلِ بِرَقَبَةِ دَارِهِ وَلِآخَرَ أَنْ يَنْزِلَهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَمُوتُ الْمُوصَى لَهُ بِرَقَبَةِ الدَّارِ فَيَمْلِكُ وَارِثُهُ الدَّارَ فَإِنْ أَرَادَ مَنْعَ الْمُوصَى لَهُ بِالنُّزُولِ قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَك أَنْتَ لِلدَّارِ مَالِكٌ، وَلِهَذَا شُرِطَ فِي النُّزُولِ، وَلَا تَمْلِكُ عَنْ أَبِيك إلَّا مَا كَانَ يَمْلِكُ، وَلَا يَكُونُ لَك فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا حَاجَةَ بِالْوَرَثَةِ إلَى الْمَسْكَنِ، فَلَوْ قَالَهُ غَيْرُهُ أَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَسْت تَعْرِفُ مَا تَقُولُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُرِيدُ التِّجَارَةَ فَاشْتَرَى دَابَّةً بِأَلْفٍ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا أَلْفًا فَلَمَّا اسْتَوْجَبَهَا مَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ أَطْفَالٌ وَالرَّاحِلَةُ تَسْوَى أَلْفًا، أَوْ مِائَةً فَقَالَ عَنْهُمْ وَصِيٌّ أَوْ كَانَ فِيهِمْ مُدْرِكٌ مُحْتَاجٌ كَانَ أَبُو هَؤُلَاءِ يَعْنِي بِالرَّوَاحِلِ لِتَكَسُّبِهِ فِيهَا وَهَؤُلَاءِ لَا يَكْتَسِبُونَ، أَوْ يَعْنِي بِهَا لِضَرْبٍ مِنْ الْخَسَارَةِ، وَقَدْ أَصْبَحَ هَؤُلَاءِ أَيْتَامًا وَنَاقَةُ الرَّجُلِ فِي يَدِهِ لَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ يَدِهِ فَأَفْسِخْ الْبَيْعَ وَرُدَّ الدَّرَاهِمَ لِحَاجَةِ الْأَيْتَامِ، وَلَا تَنْزِعْهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ إنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ دَفَعَهَا، أَوْ كَانَ هَذَا فِي حَمَّامٍ اشْتَرَاهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَوْ مِمَّا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ الْيَسِيرَةُ، قَالَ: لَا أَفْسَخُ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَأُمْضِي عَلَيْهِمْ مَا فَعَلَ أَبُوهُمْ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ يَمْلِكُ فَأُمَلِّكُهُمْ عَنْهُ مَا كَانَ هُوَ يَمْلِكُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ أَبِيهِمْ فِيمَا مَلَكُوهُ عَنْهُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ يَتَكَارَاهُ، وَهُوَ حَلَالٌ جَائِزٌ لَهُ، فَقَدْ مَلَكُوا مَا مَلَكَ أَبُوهُمْ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمَسْكَنِ فَإِنْ شَاءُوا سَكَنُوا فَإِنْ شَاءُوا أَكْرُوا. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ أَلْفَ بَعِيرٍ عَلَى أَنْ يَسِيرَ مِنْ بَغْدَادَ ثَمَانِ عَشَرَةَ إلَى مَكَّةَ فَخَلَّفَ الْجَمَّالُ إبِلَهُ وَعَلَفَهَا بِأَثْمَانِهَا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَخَرَجَ الْحَاجُّ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا هُوَ وَتَرَكَ الْجَمَّالُ الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِهِ لِلشَّرْطِ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، فَإِنْ قَالَ لَك الْجَمَّالُ: قَدْ غَرَرْتنِي وَمَنَعْتَنِي الْكِرَاءَ مِنْ غَيْرِك وَكَلَّفْتَنِي مُؤْنَةً أَتَتْ عَلَى أَثْمَانِ إبِلِي وَصَدَقَهُ الْمُكْتَرِي فَلَا يُقْضَى لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَيَجْلِسُ بِلَا مُؤْنَةٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ غَرَّهُ، وَقَالَ قَائِلٌ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنْ أَرَادَ الْجَمَّالُ أَنْ يَجْلِسَ وَقَالَ: بَدَا لِي أَنْ أَدَعَ الْحَجَّ وَأَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ وَلِمَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ غَرَّهُ فَمَنَعَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَقَدَ لَهُ عُقْدَةً حَلَالًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلِمَ لَا يَكُونُ لِلْجَمَّالِ عَلَى الْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُ كَمَا قَالَ عُقْدَةً حَلَالًا وَغَرَّهُ كَمَا كَانَ لِلْمُتَكَارِي أَنْ يَجْلِسَ وَحَالُهُمَا وَحُجَّتُهُمَا وَاحِدَةٌ لَوْ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا فِي الْعُقْدَةِ مَا لَيْسَ لِلْآخَرِ انْبَغَى أَنْ يَكُونَ الْكِرَاءُ لِلْمُتَكَارِي أَلْزَمُ بِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُؤْنَةَ عَلَى الْجَمَّالِ فِي الْعَلَفِ وَحَبْسَ الْإِبِلِ وَضَمَانَهَا وَمِنْ قِبَلِ أَنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَى الْمُكْتَرِي فَعَمَدَ إلَى حَقِّهِمَا لَوْ تَفَرَّقَ الْحُكْمُ فِيهِمَا أَنْ يَلْزَمَهُ فَأُبْطِلُ عَنْهُ وَأَحَقُّهُمَا أَنْ يُبْطَلَ عَنْهُ فَأُلْزِمُهُ؟ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعُقْدَةَ حَلَالٌ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى فَسْخِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَسُئِلَ هَلْ وَجَدَ عُقْدَةً حَلَالًا لَا شَرْطَ فِيهَا، وَلَا عَيْبَ يَكُونُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهَا مَا لَيْسَ لَيْسَ لِلْآخَرِ فَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهَا؟ فَقِيلَ وَمَا بَالُ هَذِهِ الْعُقْدَةِ مِنْ بَيْنِ الْعُقَدِ لَا خَبَرَ، وَلَا قِيَاسَ؟
(قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute