أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ قَالَ: لَا وَقَالَ: مَا دَلَّكُمْ عَلَى أَنَّ الْكِرَاءَ وَالرِّبْحَ وَالضَّمَانَ قَدْ يَجْتَمِعُ؟ فَقُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَبَرٌ كَانَ مَعْقُولًا وَقُلْنَا دَلَّنَا عَلَيْهِ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْخَبَرُ عِنْدَكُمْ الَّذِي تُثْبِتُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا مِنْ أَنَّ مَنْ ضُمِنَتْ لَهُ دَابَّتُهُ، أَوْ بَيْتُهُ، أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إجَارَةٌ، أَوْ مَالُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ رِبْحِهِ شَيْءٌ كَانُوا قَدْ أَكْثَرُوا خِلَافَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ بَيْتًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ رَحًى، وَلَا قَصَّارَةً، وَلَا عَمَلَ الْحَدَّادِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُضِرٌّ بِالْبِنَاءِ فَإِنْ عَمِلَ هَذَا فَانْهَدَمَ الْبَيْتُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْبَيْتِ، وَإِنْ سَلِمَ الْبَيْتُ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ تَكَارَى قَمِيصًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْتَزِرَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُلْبَسُ هَكَذَا فَإِنْ فَعَلَ فَتَخَرَّقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْقَمِيصِ، وَإِنْ سَلِّمْ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَوْ تَكَارَى قُبَّةً لِيُنَصِّبَهَا فَنَصَّبَهَا فِي شَمْسٍ، أَوْ مَطَرٍ، فَقَدْ تَعَدَّى لِإِضْرَارِ ذَلِكَ بِهَا فَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ أَجْرُهَا مَعَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ يُكْتَفَى بِأَقَلِّهَا حَتَّى يُسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا مَا قَالُوا وَدَخَلُوا فِيمَا عَابُوا مِمَّا مَضَتْ بِهِ الْآثَارُ وَمِمَّا فِيهِ صَلَاحُ النَّاسِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَمَّا مَا قَالُوا: الْحِيلَةُ يَسِيرَةٌ لِمَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعْطَى مَالًا قِرَاضًا فَيَغِيبَ بِهِ وَيَتَعَدَّى فِيهِ فَيَأْخُذَ فَضْلَهُ وَيَمْنَعَهُ رَبَّ الْمَالِ وَيَتَكَارَى دَابَّةً مِيلًا فَيَسِيرَ عَلَيْهَا أَشْهُرًا بِلَا كِرَاءٍ، وَلَا مُؤْنَةٍ إنْ سَلِمَتْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إنَّا لَنَعْلَمُ أَنْ قَدْ تَرَكْنَا قَوْلَنَا حَيْثُ أَلْزَمْنَا الضَّمَانَ وَالْكِرَاءَ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا قَوْلَنَا، قُلْنَا: إنْ كَانَ قَوْلُك عِنْدَك حَقًّا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُقِيمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ فَمَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي عَلَيْهَا اعْتَمَدْتُمْ؟ قُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا أَحَادِيثُكُمْ، فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً، أَوْ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لَوْ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ فَوَصَلَهُ وَيَرْوِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَوْ مَعْنَاهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَمَنْ قَالَ لَهُ جَمِيعُ مَا اشْتَرَى لَهُ بِأَنَّهُ بِمَالِهِ اشْتَرَى فَهُوَ ازْدِيَادٌ مَمْلُوكٌ لَهُ قَالَ: إنَّمَا كَانَ مَا فَعَلَ عُرْوَةُ مِنْ ذَلِكَ ازْدِيَادًا وَنَظَرًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَظَرِهِ وَازْدِيَادِهِ وَاخْتَارَ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ وَأَنْ يَمْلِكَ مَا مَلَكَ عُرْوَةُ بِمَالِهِ وَدَعَا لَهُ فِي بَيْعِهِ وَرَأَى عُرْوَةَ بِذَلِكَ مُحْسِنًا غَيْرَ عَاصٍ، وَلَوْ كَانَ مَعْصِيَةً نَهَاهُ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَلَمْ يَمْلِكْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ رَضِيَ أَنْ يَمْلِكَ شَاةً بِدِينَارٍ فَمَلَكَ بِالدِّينَارِ شَاتَيْنِ كَانَ بِهِ أَرْضَى، وَإِنَّ مَعْنَى مَا تَضَمَّنَهُ إنْ أَرَادَ مَالِكُ الْمَالِ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مِلْكَ وَاحِدَةٍ وَمَلَّكَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِيَةَ بِلَا أَمْرِهِ، وَلَكِنَّهُ إنْ شَاءَ مَلَكَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُضَمِّنْهُ. وَمَنْ قَالَ: هُمَا لَهُ جَمِيعًا بِلَا خِيَارٍ قَالَ: إذَا جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً بِدِينَارٍ فَأَخَذَ شَاتَيْنِ، فَقَدْ أَخَذَ وَاحِدَةً تَجُوزُ بِجَمِيعِ الدِّينَارِ فَأَوْفَاهُ وَازْدَادَ لَهُ بِدِينَارِهِ شَاةً لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي مِلْكِهَا، وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاَلَّذِي يُخَالِفُنَا يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ مَالِكٌ لِشَاةٍ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالشَّاةِ الْأُخْرَى وَثَمَنٍ إنْ كَانَ لَهَا لِلْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ أَنْ يَمْلِكَهَا أَبَدًا بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِنِصْفِ دِينَارٍ.
(أَخْبَرَنَا) مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - خَرَجَا فِي جَيْشٍ إلَى الْعِرَاقِ فَلَمَّا قَفَلَا مَرَّا عَلَى عَامِلٍ لِعُمَرَ فَرَحَّبَ بِهِمَا وَسَهَّلَ، وَهُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ لَفَعَلْت. ثُمَّ قَالَ: بَلَى هَا هُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأُسَلِّفُكُمَاهُ فَتَبْتَاعَانِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ