مُعَارِضٌ بِخَبَرٍ غَيْرِ مَنْصُوصٍ فَيَقُولُ بِهِ ثُمَّ يَأْتِي مِثْلُهُ فَلَا يَقْبَلُهُ وَيَصْرِفُ أَصْلًا إلَى أَصْلٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقَدْ فَعَلْت وَصَرَفْت الصَّدَقَاتِ إلَى النِّحَلِ وَهُمَا مُفْتَرِقَانِ عِنْدَك. وَقُلْت لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَك الْحَدِيثُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّدَقَاتِ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَصَدَّقُوا بِهَا وَوَلَوْهَا وَهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْجَائِزَ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ فِي النِّحَلِ عِنْدَهُمْ: إنَّمَا تَكُونُ بِأَنْ تَكُونَ مَقْبُوضَاتٍ، فَتَقُولُ: أَجَعَلُوا الصَّدَقَاتِ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَقَدْ فَعَلْت قَالَ: فَلَوْ كَانَ هَذَا مَأْثُورًا عِنْدَهُمْ عَرَفَهُ الْحِجَازِيُّونَ، فَقُلْت قَدْ ذَكَرْت لَك بَعْضَ مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ قَوْلُ الْمَكِّيِّينَ، وَلَا أَعْلَمُ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْمَدَنِيِّينَ أَحَدًا قَالَ بِخِلَافِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَوَصَفْت لَك أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ مِنْ آلِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ قَدْ ذَكَرُوا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ تَصَدَّقَ لَمْ يَزَلْ يَلِي صَدَقَتَهُ وَصَدَقَاتُهُمْ فِيهِ جَارِيَةٌ ثُمَّ ثَبَتَتْ قَائِمَةٌ مَشْهُورَةُ الْقِسْمِ وَالْمَوْضِعِ إلَى الْيَوْمِ، وَهَذَا أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْخَاصَّةِ، فَقَالَ فَمَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ عَلَى ابْنِهِ، أَوْ ذِي رَحِمِهِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ، وَلَا فِي سَبِيلِ الْمُحَرَّمَةِ بِالتَّسْبِيلِ أَيَكُونُ لَهُ مَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ وَسَبِيلُهَا سَبِيلُ الْهِبَاتِ وَالنِّحَلِ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ فَأَيْنَ هَذَا لِي؟ قُلْت مَعْنَى تَصَدَّقْت عَلَيْك مُتَطَوِّعًا مَعْنَى وَهَبْت لَك وَنَحَلْتُك؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ مَالِي لَمْ يَلْزَمْنِي أَنْ أُعْطِيَكَهُ، وَلَا غَيْرَك أَعْطَيْتُك مُتَطَوِّعًا، وَهُوَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ صَدَقَةٍ وَنِحَلٍ وَهِبَةٍ وَصِلَةٍ وَإِمْتَاعٍ وَمَعْرُوفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَطَايَا وَلَيْسَ يَحْرُمُ عَلَيَّ لَوْ أَعْطَيْتُكَهُ فَرَدَدْته عَلَيَّ أَنْ أَمْلِكَهُ، وَلَوْ مِتُّ أَنْ أَرِثَهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ لَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِصَدَقَةٍ مُحَرَّمَةٍ أَنْ أَمْلِكَهَا عَنْك بِمِيرَاثٍ، أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ لَزِمَهَا اسْمُ صَدَقَةٍ بِوَجْهٍ أَبَدًا؟ قُلْت لَهُ نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، أَوْ سَمِعْت مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِعَبْدٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ وَجَبَتْ صَدَقَتُك، وَهُوَ لَك بِمِيرَاثِك» قَالَ فَلِمَ جَعَلْت مَا تَصَدَّقَ بِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فِي مَعْنَى الْهِبَاتِ تَحِلُّ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ فَهَلْ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قُلْت: نَعَمْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَبُهُ قَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقَتْ بِمَالِهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْرَجَ إلَى وَالِي الْمَدِينَةِ صَدَقَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ آلِ أَبِي رَافِعٍ وَأَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُمْ فَأَمَرَ بِهَا فَقُرِئَتْ عَلَيَّ، فَإِذَا فِيهَا تَصَدَّقَ بِهَا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَسَمَّى مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، قَالَ وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَلَمْ يُسَمِّ عَلِيٌّ، وَلَا فَاطِمَةُ مِنْهُمْ غَنِيًّا، وَلَا فَقِيرًا، وَفِيهِمْ غَنِيٌّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ كَانَ يَضَعُهَا النَّاسُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقُلْت أَوْ قِيلَ لَهُ؟ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ أَفَتُجِيزُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْمُطَّلِبِيُّ وَالْغَنِيِّ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مُتَطَوِّعًا؟ فَقُلْت: نَعَمْ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْت وَأَنَّ الصَّدَقَةَ تَطَوُّعًا إنَّمَا هِيَ عَطَاءٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ تَطَوُّعًا قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ؟ فَقُلْت: مَا لِلْمَسْأَلَةِ مِنْ هَذَا مَوْضِعٌ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطَى الْغَنِيُّ قَالَ: فَاذْكُرْ فِيهِ حُجَّةً قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي، قَالَ: فَهَلْ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute