للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ لَا تَجُوزُ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَّا أَنْ يُقَسَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّتَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَبِهَذَا يَأْخُذُ، وَإِذَا وَهَبَ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ وَقَبَضَ فَهُوَ جَائِزٌ وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ هُمَا سَوَاءٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلَيْنِ بَعْضَ دَارٍ لَا تُقَسَّمُ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ ثِيَابًا أَوْ عَبْدًا لَا تَنْقَسِمُ فَقَبَضَا جَمِيعًا الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ كَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ اثْنَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا تَنْقَسِمُ، أَوْ لَا تَنْقَسِمُ أَوْ عَبْدُ الرَّجُلِ وَقَبَضَ جَازَتْ الْهِبَةُ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ لِرَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَمْ يُقَسِّمْهُ لَهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ الْهِبَةُ فِي هَذَا بَاطِلَةٌ، وَلَا تَجُوزُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ وَمِنْ حُجَّتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْسُومَةً مَعْلُومَةً مَقْبُوضَةً بَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ نَحَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ نَخْلٍ لَهُ بِالْعَالِيَةِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِعَائِشَةَ " إنَّك لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَارِثِ فَصَارَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ "؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ يَقُولُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَبِهِ يَأْخُذُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَهَذَا قَبْضٌ مِنْهُ لِلْهِبَةِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ وَهَذِهِ جَائِزَةٌ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلَانِ دَارًا لِرَجُلٍ فَقَبَضَهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا تَفْسُدُ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِاثْنَيْنِ وَبِهِ يَأْخُذُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ نَصِيبَهُ فَقَبَضَ الْهِبَةَ فَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ

وَالْقَبْضُ أَنْ تَكُونَ كَانَتْ فِي يَدَيْ الْمَوْهُوبَةِ لَهُ، وَلَا وَكِيلَ مَعَهُ فِيهَا، أَوْ يُسَلِّمُهَا رَبَّهَا وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَكُونَ لَا حَائِلَ دُونَهَا دُونَهَا هُوَ، وَلَا وَكِيلَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ قَبْضًا، وَالْقَبْضُ فِي الْهِبَاتِ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ مَا كَانَ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ كَانَ قَبْضًا فِي الْهِبَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فِي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا فِي الْهِبَةِ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْهِبَةَ وَقَبَضَهَا دَارًا، أَوْ أَرْضًا ثُمَّ عَوَّضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا عِوَضًا وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَكُونُ فِيهِ شُفْعَةٌ، وَبِهِ يَأْخُذُ وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ الْوَاهِبُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْعِوَضِ فِي قَوْلِهِمَا جَمِيعًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ شِقْصًا مِنْ دَارٍ فَقَبَضَهُ ثُمَّ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبَةُ لَهُ شَيْئًا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سُئِلَ الْوَاهِبُ فَإِنْ قَالَ: وَهَبْتهَا لِلثَّوَابِ كَانَ فِيهَا شُفْعَةٌ، وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتهَا لِغَيْرِ ثَوَابٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شُفْعَةٌ وَكَانَتْ الْمُكَافَأَةُ كَابْتِدَاءِ الْهِبَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: لِلْوَاهِبِ الثَّوَابُ إذَا قَالَ: أَرَدْته فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا ثَوَابَ لِلْوَاهِبِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَلَا الثَّوَابُ مِنْهُ.

(قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، وَإِذَا وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قَبْلِ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عِوَضًا مَجْهُولًا، وَإِذَا وَهَبَ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ وَهَبَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِبَةً فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةُ لَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: الْهِبَةُ فِي هَذَا بَاطِلٌ لَا تَجُوزُ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ وَصِيَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِ وَصِيَّةٍ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هِيَ جَائِزَةٌ مِنْ الثُّلُثِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ الْهِبَةَ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبَةَ لَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ شَيْءٌ وَكَانَتْ الْهِبَةُ لِلْوَرَثَةِ. الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تَجُوزُ الصَّدَقَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً. الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الصَّدَقَةُ إذَا عُلِمَتْ جَازَتْ الْهِبَةُ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

(قَالَهُ الشَّافِعِيُّ) وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ مِنْهَا عِوَضًا، قَلَّ، أَوْ كَثُرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>