للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمْ بِالدِّينِ، وَلَمْ يَقْطَعْ الْأَنْسَابَ بَيْنُهُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَنْسَابَ لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ فِي شَيْءٍ.

الْأَنْسَابُ ثَابِتَةٌ لَا تَزُولُ وَالدِّينُ شَيْءٌ يَدْخُلُونَ فِيهِ، أَوْ يَخْرُجُونَ مِنْهُ وَنَسَبَ ابْنَ نُوحٍ إلَى أَبِيهِ وَابْنُهُ كَافِرٌ وَنَسَبَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلَهُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ وَقَالَ: عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} فَنَسَبَ إلَى آدَمَ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَلَدِهِ وَالْكَافِرَ وَنَسَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَى آبَائِهِمْ كُفَّارًا كَانُوا، أَوْ مُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ نَسَبَ الْمَوَالِي إلَى، وَلَائِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَوَالِي مُؤْمِنِينَ وَالْمُعْتِقُونَ مُشْرِكِينَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: " الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْخَلْفِ أَقِرَّهُ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ: أَهْلُهَا نَبِيعُكهَا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهَا لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا يَمْنَعُك ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إنِّي كَاتَبْت أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ إنْ أَحَبَّ أَهْلُك أَنْ أُعِدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ، وَلَاؤُك لِي فَعَلْت فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ عَرَضْت عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَائِلُ قَدْ غَلِطَ فِي بَعْضِهَا مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ حَالٍّ، وَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ غَلِطَ الْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ، فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَهُ فَقَالَ: لِي قَائِلٌ بَرِيرَةُ كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبِيعَتْ وَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيْعَ فَقُلْت لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ فِي كِتَابَتِهَا وَتَذْهَبُ مُسَاوِمَةً بِنَفْسِهَا لِمَنْ يَشْتَرِيهَا وَتَرْجِعُ بِخَبَرِ أَهْلِهَا؟ فَقَالَ: بَلَى وَلَكِنْ مَا قُلْت فِي هَذَا؟ قُلْت إنَّ هَذَا رِضًا مِنْهَا بِأَنْ تُبَاعَ قَالَ: أَجَلْ قُلْت وَدَلَالَةٌ عَلَى عَجْزِهَا، أَوْ رِضَاهَا بِالْعَجْزِ قَالَ: أَمَّا رِضَاهَا بِالْعَجْزِ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى رِضَاهَا بِالْعَجْزِ، وَأَمَّا عَلَى عَجْزِهَا، فَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ عَاجِزَةٍ وَتَرْضَى بِالْعَجْزِ رَجَاءَ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ فَقُلْت لَهُ وَالْمُكَاتَبُ إذَا حَلَّتْ نُجُومُهُ فَقَالَ: قَدْ عَجَزْت لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ غَيْرُهُ وَرَدَدْنَاهُ رَقِيقًا وَجَعَلْنَا لِلَّذِي كَاتِبَهُ بَيْعَهُ وَيُعْتِقُ وَيُرِقُّ قَالَ: أَمَّا هَذَا فَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ رُدَّ رَقِيقًا قُلْت، وَلَا يُعْلَمُ عَجْزُهُ إلَّا بِأَنْ يَقُولَ قَدْ عَجَزْت أَوْ تَحِلَّ نُجُومُهُ فَلَا يُؤَدِّي، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنْ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ مَالٍ قُلْت مَسْأَلَتُهَا فِي أُوقِيَّةٍ، وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهَا أَوَاقٍ وَرِضَاهَا بِأَنْ تُبَاعَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا عَجْزٌ مِنْهَا عَلَى لِسَانِهَا قَالَ: إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيَحْتَمِلُ مَا وَصَفْت وَيَحْتَمِلُ جَوَازَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ قُلْت أَمَّا ظَاهِرُهُ فَعَلَى مَا وَصَفْت وَالْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَوْ احْتَمَلَ مَا وَصَفْت وَوَصَفْت كَانَ أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَب لَا يُبَاعُ حَتَّى يَعْجَزَ، وَلَمْ يُنْسَبْ إلَى الْعَامَّةِ أَنْ يَجْهَلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>