للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ حيث قال: "لوالي هذه الصدقة أن يأكل منها غير متأثل مالًا"، وما فعله على بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ حيث جعل نفقة العبيد الذين وقفهم مع صدقته ليقوموا بعمارتها من الغلَّة، وهو بمنزلة الأجير في الوقف، ألا ترى أنه يجوز له أن يستأجر أجراء لما يحتاج إليه الوقف من العمارة، وعليه عمل الناس، وليس له حد معين، وإنما هو على ما تعارفه الناس من الجعل عند عقده الوقف؛ ليقوم بمصالحه من عمارة واستغلال وبيع غلات وصرف ما اجتمع عنده فيما شرطه الواقف، ولا يكلف من العمل بنفسه إلا مثل ما يفعله أمثاله، ولا ينبغي له أن يقصر عنه وأما ما تفعله الأجراء والوكلاء فليس ذلك بواجب عليه، حتى لو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرا معلوما، لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفًا" (١).

٣ - وفي الفتاوى الهندية: "إذا جعل الواقف للقائم بأمر الوقف مالًا معلومًا كل سنة للقيام بأمر الوقف جاز، ويكلف القائم ما يفعله مثله وجاءت العادة به؛ من عمارة الوقف واستغلاله ورفع غلاته وتفريقها في وجوه الوقف، كذا في الحاوي، ولا ينبغي أن يقصر في ذلك، وأما ما كان يفعله الوكلاء أو الأجراء فليس له ذلك، كذا في المحيط، حتى ولو جعل الولاية إلى امرأة وجعل لها أجرًا معلومًا، لا تكلف إلا مثل ما تفعله النساء عرفًا، ولو نازع أهل الوقف القيم وقالوا للحاكم: إن الواقف إنما جعل هذا في مقابلة العمل، ولا يعمل شيئًا لا يكلفه الحاكم من العمل ما لا تفعله الولاة، كذا في البحر الرائق، وإن حدث للمتولي آفة؛ مثل: الجنون أو العمى أو الخرس .. فإن أمكنه مع ذلك الأمر والنهي؛ فالأجر قائم، وإن لم يمكنه ذلك لم يكن له من الأجر شيء، فإن طعن في الوالي طاعن لم يخرجه القاضي من الولاية إلا بخيانة ظاهرة، فإن أخرجه قطع عنه الأجر الذي جعل له الواقف لقيامه، وإن صلح من أخرجه القاضي رد عليه ولاية الوقف، كذا في الحاوي، وإن رأى أن يدخل آخر ويكون بعض هذا المال فلا بأس بذلك، وإن كان هذا المال الذي سمى قليلًا ضيقًا فرأى الحاكم أن يجعل للرجل الذي أدخل معه رزقًا من غلَّة الوقف؛ فلا بأس


(١) الإسعاف في أحكام الأوقاف، ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>