حينئذٍ به دون النظر إلى الإرادة الخافية كمن يقول: وقفت أرضي هذه على أولادي الأحياء الآن دون غيرهم ودون أولاد أولادي، وقد يكون مكتنفًا بالغموض، ومحتملًا الأكثر من معنى، فتفسيره حينئذٍ استنادًا إلى قرائن الأحوال، ثم إلى العرف، فإن لم يوجد نية للواقف، كما لو قال: وقفت على أولادي وسكت، فإن لم يتحقق من نيته أخذ بمطلق اللفظ، فيشمل حينئذٍ الموجودين والذين سيولدون، والواضح أن مثل هذه القواعد إنما تجري مع تحقق عرف أو وجود قرينة حال، أو إمكان معرفة نية الواقف.
[ج) المنازعة بين الموقوف عليهم من جهة، وبينهم وبين الورثة من جهة أخرى]
هناك نزاعات في الوقف تنشأ بين الموقوف عليهم أو بينهم وبين الورثة، وهي تنشأ في عمومها من ادعاء الوقف، أو من الاختلاف حول أعيان المستحقين؛ لأن النزاع حول مقدار الاستحقاق إنما يكون مع المتولي حينما يتهم بعدم إعطاء المستحق ما يستحقه من الغلة، وها نحن ذا نستعرض بعض صور هذا التنازع وحكمها.
ومما جاء في ذلك في كتب الحنفية ما يأتي:
قال الخصاف بعد أن ذكر صُورًا من التنازع في الأوقاف القديمة ونحوها، قال: "قلتُ: فإن تنازع في ذلك - يعني الوقف - قوم، فقال فريق منهم: هو لنا، وقال آخرون: هو لنا، وكل واحد من الفريقين يقول: وقفه فلان بن فلان علينا، وليس بينة تشهد على الوقف؟ قال: إن كان لفلان ورثة فأقروا أن صاحبهم وقف ذلك على شيء بينوه، جاز ذلك، وإلا حمل الذين تنازعوا فيه على التثبيت؛ فإن اصطلحوا على أخذه وليس لهم رسم في ديوان يعمل عليه استحسنت أن أنفذ ذلك لهم، وأقسم غلته بينهم، قلت: فما تقول إن أقر ورثة الواقف أنه وقف ذلك على أحد الفريقين، هل يجوز إقرارهم والشيء ليس في أيديهم، وإنما وجده القاضي في يدي أمين من أمناء القاضي الذي كان قبله؟ قال: أقبل قول الورثة وأجعله للفريق الذي أقروا لهم به دون الآخر.