للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجانب الثاني تاريخ الوقف عبر العصور]

يعد الوقف ثمرة من ثمار الإسلام المباركة، ومظهرًا من مظاهر الحضارة الإسلامية الذي انفردت به عن بقية الحضارات الإنسانية، وهو بأبعاده الروحية، وتعبيراته الثقافية، وإجراءاته الاقتصادية، وتعاملاته الاجتماعية، العامل الأهم في تقدم وازدهار الحضارة الإسلامية.

إن الوقف هو أحد أفضل أعمال البر والإحسان التي تتحقق بها مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، وهو المحضن الذي تبلورت فيه قيم التكافل الاجتماعي، ورعاية حقوق الضعفاء، والإنفاق في أوجه البر، وهو المورد الذي يفيض بالخير على كثير من المؤسسات، والمرافق الاجتماعية، والثقافية، والدينية، والمعمارية، فمن موارده شُيّدت المساجد، والمدارس، والمكتبات، والمشافي، وأقيمت السُبُل لخدمة أبناء السبيل، وأيتام المسلمين، ومسحت دموع الأرامل، والعجائز، وكبار السن، وفُرّج عن المسجونين والغارمين، وفُكّ أسرى المسلمين، ومن أموال الوقف أيضًا حفظت كرامة ذوي الاحتياجات الخاصة، وأصحاب الأمراض المزمنة، وبُنيت المرافق العامة، ورُصفت الطرق، وحُفرت الآبار، ومُدّت الجسور، ووُفرت الملابس، والأطعمة للفقراء والمساكين وأبناء السبيل والغرباء، وبُنيت الحمامات والخانات والحدائق ليستمتع بها الفقراء بكل شرائحهم، بل تعدى الأمر إلى توفير أوقاف لإيناس الغرباء، ورفع معنويات المرضى .. إلى غير ذلك من المؤسسات التي كانت تلتمس أولًا وأخيرًا الأجر والمثوبة من الله تعالى، والفوز برضوانه وجنته.

إن هذه النظرة الشمولية للخدمات التي يقدمها الوقف ما كان لها أن تكون لولا حرص الأمة على الاستجابة لتوجيهات ربها، وإرشادات نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - الداعية لفعل الخير؛ يقول تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (١)، والتي تشجع على البذل والعطاء لنيل الدرجات العلى يوم


(١) سورة الحج، آية ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>