للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيامة؛ يقول تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (١)، وقد حدّد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المسارات الرئيسة للوقف؛ حين قال: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا نشره، وولدًا صالحًا تركه، ومصحفًا ورثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابن السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه بعد موته" (٢).

إن الوقف هو صانع الحضارة الإسلامية، وسجل تاريخها الحافل بالشواهد الصادقة المصدقة على خيرية هذه الأمة، التي جسدت تعاليم ربها وتوجيهات نبيها - صلى الله عليه وسلم - في الواقع المعاش؛ سلوكًا وممارسة، ولعل آلاف المساجد القائمة، والمبرات الخيرية ومئات السبل والخانات، والأربطة، والزوايا التي لا تزال تفيض بعطائها وما تزال آثارها الباقية، تشهد على فعالية الوقف في حياة الأمة.

لقد تنافس في أعمال البر والإحسان، الرجل والمرأة، والحاكم والمحكوم، والعربي والأعجمي، والقائد العسكري، والقاضي، والعالم، والحاكم الإداري، والأشراف، والموالي، بل يندر أن نجد حاكمًا، أو أميرًا، أو قائدًا مشهورًا، أو ثريًّا إلا وقد ترك أثرًا وقفيًّا تنتفع به شريحة من شرائح المجتمع الضعيفة، وكل ذلك طمعًا في الأجر والثواب، لا شيء سواه.

ولعل من أبرز ما يميز الوقف في الحضارة الإسلامية أنه مُحَصَّنٌ بسياج من التشريعات والقوانين، وآليات المراقبة والمحاسبة؛ ما جعله من أرقى الأنظمة الاقتصادية التي أنتجها الفكر الإسلامي، فعزت من الفاعلية الحضارية للأمة على امتداد عصور التاريخ.

وتشير المصادر إلى أن نسبة عالية من المؤسسات الخدمية والتعليمية والدينية والاجتماعية في المدن الإسلامية الكبرى كانت تدار من أموال الوقف.


(١) سورة آل عمران، الآية ٩٢.
(٢) أخرجه ابن ماجه في سننه، باب ثواب معلم الناس الخير، حديث ٢٤٢، قال عنه الألباني: حديث حسن، وابن خزيمة في صحيحه في كتاب الزكاة، باب فضل بناء السوق لأبناء السابلة وحفر الآبار للشرب حديث رقم ٢٤٩٠، قال الأعظمي: إسناده حسن لغيره لشواهده.

<<  <  ج: ص:  >  >>