للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع الوقف في الغرب الإسلامي (المغرب والأندلس)]

أبدع الغرب الإسلامي أوقافًا فريدة في مقاصدها، ومبدعة في فكرتها، فقدمت خدمات متميزة للمرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأسرى، والغرياء، والسجناء، والعلماء وطلبة العلم، وكبار السن، وغيرهم من الشرائح.

ويستعرض هذا المبحث نماذج من تلك الأوقاف التي شملت رعايتها حتى الحيوانات والطيور، فقد عرفت مدينة مراكش وقفية فريدة في رسالتها الاجتماعية أطلق عليها اسم "دار الدقة"، وهي عبارة عن ملجأ مخصص للنساء اللائي يقع نفور بينهن وبين أزواجهن، وليس لهنَّ أهل أو محارم يأخذون بحقوقهنَّ، فكانت هذه الدار توفر لهن المأوى والمأكل والتعليم إلى أن يزول ما بينهن وبين أزواجهن من نفور، وكان على هذه الدار أوقاف عديدة تدرُّ أموالًا لتغطية نفقاتها؛ لتواصل القيام بدورها الاجتماعي المهم، والذي يدل على سمو الحس الإجتماعي في الحضارة الإسلامية، التي لم تترك أحدًا إلا وشملته بلماساتها الإنسانية الراقية (١).

ولعل جوهرة الأوقاف في الغرب الإسلامي هو جامع القرويين، الذي يعد من أقدم أوقاف نساء المغرب الإسلامي، والذي وقفته "أم البنين" فاطمة بنت الفقيه عبد الله محمد الفهري القيرواني، الذي توفي وترك لابنتيه مريم وفاطمة ثروة هائلة، أنفقتاها في وجوه البر والخير والإحسان، وكان الشروع في البناء سنة ٢٤٥ هـ/ ٨٥٠ م، وقد لعب هذا الجامع دورًا حيويًا في الحياة العلمية في المغرب، حيث كان به ١٤٠ كرسيًا علميًا، منها كرسيان اثنان خُصِّصا للنساء (٢)، وقد تخرج منه عديد من العلماء من الغرب، ودرس فيه سيلفستر الثاني (غريرت دورياك) الذي شغل منصب البابا


(١) انظر: رعاية الفئات الخاصة، د سلامة البلوي، ٢٢.
(٢) انظر: جامعة القرويين وآفاق إشعاعها الديني والثقافي، التازي، سلسلة أبحاث وأعلام، رقم ٥، مطبعة فضالة، المحمدية، ١٩٩٦ م، وعن ترجمة فاطمة الفهرية انظر: جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، الجزنائي، الرباط، ١٩٧٣ م، ٤٥ - ٤٦، والأنيس المطرب بروض القرطاس، ابن أبي زرع، الرباط، ١٩٧٣ م، ٥٤ - ٥٥، وأعلام النساء، عمر رضا كحالة، ٤/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>