للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشترط فقهاء الحنفية لقبول الشهادة في دعوى الوقف خاصة ذكر الواقف والجهة الموقوف عليها، لكن اشتراط الواقف ليس محل اتفاق بينهم، فثمة من فرق بين الوقف القديم والوقف الجديد، فاشترط ذلك في الثاني دون الأول، فجوز الشهادة في الوقف القديم ولو بدون ذكر الواقف، تغليبًا لمصلحة الوقف.

ومنهم من حمل هذا الرأي على اختلاف الصاحبين مع أبي حنيفة: في ملكية العين بعد وقفها، فأبو حنيفة يرى: بقاء الملك على حكم ملك الواقف، فلا بد من ذكر الواقف لقبول الشهادة، ولما كانت الفتوى في الوقف على مذهب أبي يوسف الذي يرى: انتقال ملكية العين الموقوفة إلى ملك الله تعالى، فإن الراجح في مذهب الحنفية عدم اشترط ذكر الواقف في الشهادة على الوقف (١).

[١ - الشهادة بالتسامع]

اشترط الفقهاء أن تكون الشهادة مفيدة لمعنى العلم واليقين، لا لمعنى الظن والتخمين، واستدلوا له بقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (٢)، وبما روي عن ابن عباس من أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الشهادة فقال - صلى الله عليه وسلم -: "هل ترى الشمس؟ "، قال: نعم، قال - صلى الله عليه وسلم - "مثلها فاشهد أو دع" (٣)، وإذا كان الأصل في الشهادة اعتماد اليقين (٤)، فإنه لا يجوز للمرء أن يشهد إلَّا بما علمه عن رؤية أو سماعه (٥).

ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلَّا حالات محددة أجازوا فيها الشهادة بالتسامع، وما يعنينا هنا هو رأيهم في الشهادة بالتسامع على أصل الوقف حيث اختلفوا في ذلك على قولين:


(١) انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، ٣/ ٥٥٧، والإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين إبراهيم الطرابلسي، ٧٨، وجامع الفصولين، ابن قاضي سماوة، ٢١/ ١٣٠، وأحكام الأوقاف، محمد شفيق العاني، ١١٧، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ٣٨/ ٨٨، ومذهب الإمامية انتقال الوقف إلى الموقوف عليهم.
(٢) سورة الإسراء، آية ٣٦.
(٣) سبل السلام، الصنعاني، ٤/ ١٣٠.
(٤) انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، ٤/ ١٣٠.
(٥) انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، ١٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>