للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس اشتراط تعيين الموقوف]

المقصود بالتعيين هنا تشخيص الموقوف بتعيينه تعيينًا يرفع النزاع والخصام، ولا يترك مجالًا للإبهام، فالموقوف هنا ضمن أملاك معلومة محددة غير مجهولة.

أولًا: وقف العقار المعين من غير تحديد:

إذا وقف شخص عقارًا معينًا ولم يبين حدوده؛ فوقفه صحيح، باتفاق فقهاء المذاهب الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة (١)، وهو قول للإباضية (٢) إذا كان الموقوف مشهورًا متميزًا بحيث يؤمن أن يلتبس بغيره.

ويدل لهذا ما يأتي:

١ - ما روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب ماله إليه بيرحاء، مستقبلة المسجد، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (٣)؛ قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله، إن الله يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها حيث أمرك الله، فقال: "بخ، ذلك مال رابح" (٤).

وجه الدلالة: أن أبا طلحة - رضي الله عنه - لم يبين حدود أرضية التي تصدق بها لشهرتها، وأقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صدقته، وقبلها منه، وقد ترجم البخاري على هذا الحديث: "باب إذا وقف أرضًا ولم يبين الحدود فهو جائز، وكذلك الصدقة" (٥)، قال ابن حجر: "كذا أطلق الجواز، وهو محمول على ما إذا كان الموقوف أو المتصدق به مشهورًا متميزًا بحيث يؤمّن أن يلتبس بغيره، وإلا فلا بدَّ من التحديد اتفاقًا" (٦).


(١) انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف ص ٢٣٧، والبحر الرائق، ابن نجيم، ٥/ ٢١٧، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٤/ ٣٦١، والإنصاف، المرداوي، ١٦/ ٣٧٥.
(٢) انظر: جوابات السالمي، السالمي، ٣/ ٤٢٢.
(٣) سورة آل عمران، آية ٩٢.
(٤) صحيح البخاري، ١٤٦١ و ٢٧٦٩، وصحيح مسلم، ٩٩٨.
(٥) صحيح البخاري، ٤/ ١١.
(٦) فتح الباري، ابن حجر، ٥/ ٤٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>