للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: جواز الوقف وصحته، وهو قول عند الحنفية (١)، وهو مذهب المالكية (٢)، وبه قال الأوزاعي من فقهاء السلف (٣)، واختاره ابن تيمية من الحنابلة (٤).

قال ابن الهمام الحنفي: "وعن الأنصاري - وكان من أصحاب زفر - فيمن وقف الدراهم أو الطعام أو ما يُكال أو ما يوزن أيجوز ذلك؟ قال: نعم، قيل: وكيف؟ قال: يدفع الدراهم مضاربة، ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه، وما يكال وما يوزن يباع ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة" (٥).

قال خليل من المالكية؛ تعقيبًا على قول ابن الحاجب المالكي: "ولا يصح وقف الطعام": "نحوه في الجواهر، وعلله بأن منفعته لا تكون إلا باستهلاك عينه، وإنما يكون الوقف مع بقاء الذوات لينتفع بها مع بقاء عينها، وفيه نظر" ... إلى أن قال: وفي المدونة في كتاب الزكاة جواز وقف الدراهم والدنانير لتسلف، وقد ذكره المصنف، فالطعام ينبغي أن يكون كذلك" (٦).

دليله: القياس على صحة وقف الماء، وهو مما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه، ويشهد له وقف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - بئر رومة، وقد جرى عمل المسلمين على وقف العيون والآبار للشرب، فكذلك الطعام.

ووقف الطعام ليس المقصود منه وقف عينه؛ إذ لو كان كذلك لتعين منعه؛ لأنه تحجير من غير منفعة تعود على أحد، وذلك مما يؤدي إلى فساد الطعام، المؤدي إلى إضاعة المال.


(١) انظر: فتح القدير، ابن الهمام، ٦/ ٢١٦.
(٢) انظر: مواهب الجليل، الحطاب، ٦/ ٢٢.
(٣) ذكره عنه ابن قدامة في المغني، ٨/ ٢٢٩.
(٤) انظر: الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ٥/ ٤٢٤.
(٥) فتح القدير، ابن الهمام، ٦/ ٢١٦.
(٦) توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي، دار الفكر العربي، ط ١، ١٤٢٨ هـ/ ٢٠٠٨ م، ٧/ ٢٨٠ - ٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>