للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الرابع اشتراط دوام الانتفاع بالموقوف]

اختلف العلماء في وقف غير العقار، ولعل من أسباب الخلاف في ذلك كون المنقول غير قابل للتأبيد، وأنه معرض للتلف والانقطاع في أي وقت، وهو ما يتعارض مع مبدأ الوقف الأساس، وهو التأبيد.

ومن الشروط التي ذكرها الفقهاء في الموقوف كونه منتفعًا به على وجه الدوام.

ومعنى ذلك أن ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه لا يجوز وقفه، وإن كان يجوز التصدق به، ومن أمثلة ذلك وقف الطعام والنقود وكل ما تستهلك عينه في أثناء الانتفاع به؛ كالزيوت مثلًا التي كانت تستعمل لإيقاد القناديل في المساجد والطرق العامة، والأدهان التي توقف على المصلين في المساجد، وغيرها، فما حكم وقفها؟

يمكن تقسيم ما لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه إلى قسمين:

الأول: المثلي، وهو ما له بدل يقوم مقامه؛ كالبذور والزيوت والنقود.

الثاني: القيمي، وهو ما لا مثل له، وإتلافه ليس فيه إلا القيمة.

أولًا: حكم وقف ما له بدل يقوم مقامه كالبذور والنقود:

أما النقود فقد سبق إفرادها بمبحث مستقل، ويبقى بحث مسألة وقف البذور.

وقد اختلف العلماء في وقف البذور وما شابهها على قولين:

القول الأول: جواز وقفها، وذلك بأن تقرض لمن يستفيد منها ممن لا بذر لهم ليزرعوه، ثم يؤخذ منهم بعد النضج قدر القرض ليقرض لغيرهم، وينزل البذر المتحصل من الزراعة منزلة البذر الموقوف، وهو مذهب الحنفية (١)، والمالكية (٢).

دليله: أن البذور مما يحكم لها بالبقاء والاستمرار، بتنزيل بقاء المثل منزلة العين، ورد البدل الجائز، كما في حالة الاستبدال عند تعطل الوقف أو ضعف موارده.


(١) انظر: فتح القدير، ابن الهمام، ٦/ ٢١٩.
(٢) انظر: مواهب الجليل، الحطاب، ٦/ ٢١ - ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>