عند إبرام عقد إجارة الوقف فإننا نحتاج إلى تحديد زمن معيَّن لهذا العقد، شأنه شأن سائر العقود، إلا أن هناك سمة خاصة تمتاز بها إجارة الوقف عن إجارة الملك، وهي عبارة عن خصوصية الموقوف؛ إذ إن الأصل فيه يظل محبوسًا أبدًا، وأن المنفعة هي التي تسبل لله تعالى لينتفع منها، ولذلك فإن المدة التي تضرب في عقد إجارة الوقف يجب أن تحقق مصلحة الموقوف، فلا تؤدي إلى تلفه أو خرابه أو إلحاق أي ضرر به مهما كان.
وفي البحث حول مدة الإجارة الوقفية هناك حالات لا تقرر فيها مدة خاصة بهذا العقد، وحالات قدرت فيها المدة إلا أنه لم يلتزم بها مضافًا إلى بيان حكم الإجارة الطويلة وغيرها من المسائل المرتبطة بهذه المسألة، كالآتي:
[المسألة الأولى: إذا تم تقييد إجارة الوقف بمدة زمنية]
فهل يعني ذلك أنه لا يجوز أن تطلق الإجارة وأن التقييد لازمٌ؟ أم أنه يمكن إجارة الوقف دون تحديد المدة؟ فقد اختلف فيها الفقهاء على أقوال:
القول الأول: يجيز الإجارة بشكل مطلق دون الحاجة إلى بيان مدة ما سواء كان الموقوف ضيعة أي عقار أم غيرها، وقد اختص به الإمام نجم الدين الطرسوسي في فتاويه وأنه: يجب العمل بأقوال المتقدمين من الأصحاب رحمهم الله لوجوه؛ الأول: لوفرة علمهم واجتهادهم، الثاني: لقربهم من عصر الإمام - أي الإمام أبي حنيفة - والأئمة الأعلام، الثالث: لحسن نظرهم وقوة تحريهم للمسائل التي ليس فيها رواية منصوصة، الرابع: لأن ما قالوه موافق للأصل المعروف من أي المقادير لا تعرف إلا سماعًا لا مدخل للقياس فيها، الخامس: أن قولهم لا يخلو إما أن يكون عن رواية وهو الظاهر، أو ليس عن رواية لكنه موافق للقواعد والفروع والشواهد، وأما البحث عن بيان الرواية فلا قدرة لنا عليه؛ لأنها نقل، ولم نقف في ذلك على رواية منقولة عن الإمام ولا عن أبي يوسف ومحمد، وأما البحث عن أنه موافق للقواعد والفروع والشواهد فهو أن بيع المنافع كبيع الأعيان وهو أصلها، وفي بيع الأعيان لم