للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: يجوز عقد هذه الإجارة إذا كانت من ابن الناظر البالغ أو والده بشرط تحقق الخيرية فيها، وهو رأي أبي حنيفة، وتتحقق الخيرية عند الحنفية بالزيادة عن أجرة المثل كأن يأخذ ما يساوي عشرة بخمسة عشر، وهذا الرأي هو المفتى به عند الحنفية (١).

القول الثالث: أن هذا العقد يصح إذا كان بأجرة المثل وهو وجه عند الحنابلة (٢).

القول الرابع: أنه يصح مطلقًا، وهو وجه ثالث للحنابلة (٣)، وهو ما ذهب إليه الزيدية، أما إذا تولى هذا العقد القاضي كأن طلب الناظر منه بتولي هذا العقد، فإنه يكون صحيحًا، ولا يقال: إن القاضي لا يملك هذا التصرف مع وجود الناظر؛ لأن المقام في هذه الحالة مقام نزاع على صحة تصرف الناظر، فساغ اللجوء إلى القاضي.

وذهب فقهاء الزيدية إلى أنه يجوز للناظر معاملة نفسه فيجوز له البيع والشراء من غلة الوقف ويسلم العوض، ويجوز له أن يزرع أرض الوقف أو يؤجرها لنفسه ويدفع أجرة المثل كغيره بلا عقد من الإمام أو الحاكم، ويكون حكم ذلك في يده حكم المعاطاة إلا أنه يجب أن يتحرى المصلحة وألا يأخذ المثل وقت غلائه بمثله في وقت رخصه (٤).

أما فقهاء الإمامية فالظاهر من بعد تتبع كلماتهم أنهم لا يمنعون من أن يقوم الناظر بتأجير الوقف لنفسه، ما دام بعيدًا عن أي قصور أو تقصير من جانبه في تحقيق مصلحة الوقف، فقد نصّوا على أن عمل ناظر الوقف مقيد بشروط الواقف المنصوص عليها في صك الوقف، إلا ما يكون باطلًا منها وأن مسؤولية المتولي كمسؤولية (٥) الوكيل والمودع؛ سواء قلنا بأنه وكيل عن الواقف أو الوقف أو المستحقين (٦)؛ لا سيما وأن وظيفة الناظر مع الإطلاق هي عمارة الوقف وإجارته وتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها، ولو فوض إليه بعضها لم يتعدَّه (٧).


(١) انظر: مجمع الضمانات، أبو محمد غانم بن محمد البغدادي الحنفي، دار الكتاب الإسلامي د. ط، د. ت، ١/ ٣٩٩.
(٢) انظر: مطالب أولي النهى، السيوطي، ٣/ ٤٦٥.
(٣) انظر: المرجع السابق، ٣/ ٤٦٥.
(٤) انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الزيدي، ٣/ ٣٠٢ - ٣٠٣.
(٥) انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني، ٣/ ٣٢٣.
(٦) انظر: الوقف وأحكامه في الفقه الإسلامي والقوانين اللبنانية، الشيخ محمد جعفر شمس الدين، دار الهادي، بيروت - لبنان، ١٤٢٦ هـ./٢٠٠٥ م، ٢٤٥، ورياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، السيد علي السيد محمد علي الطباطبائي، ١٠/ ١٢٨.
(٧) انظر: رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، الطباطبائي، ١٠/ ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>