يقرر الفقهاء أن من وظائف الناظر المالية المحافظة على مال الْوَقْف ومن وسائله طلب الرهن للاستيثاق على الديون الثابتة للوقف على غيره.
وقد تناول الفقهاء المسألة من جهة الحديث عن الكتب الموقوفة، ومدى مشروعية المطالبة برهن عند استعارتها، فجاءت أقوالهم مختلفة بين قائل بجواز ذلك بإطلاق؛ ضمانًا لحقِّ الْوَقْف، وبين مقيِّده بشرط الواقف لذلك؟ وبين حالة المرتهن من الأمانة وعدمها؟
فجاء عن الحنفية:"حدث في الأعصار القريبة وقف كتب، شرط الواقف ألا تُعار إلا برهن أو لا تُخرج أصلًا، والذي أقول في هذا: إن الرهن لا يصح بها؛ لأنها غير مضمونة في يد الموقوف عليه، ولا يقال لها: عارية أيضًا؛ بل الأخذ لها إن كان من أهل الْوَقْف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، وإن أعطى كان رهنًا فاسدًا ويكون في يد خازن الكتب أمانة، هذا إن أريد الرهن الشرعي، وإن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة فيصح الشَّرط؛ لأنَّهُ غرض صحيح وإذا لم يعلم مراد الواقف فالأقرب الحمل على اللغوي تصحيحًا لكلامه، وفي بعض الأوقاف يقول: لا تخرج إلا بتذكرة، فيصح ويكون المقصود أن تجويز الواقف الانتفاع مشروط بذلك ولا نقول: إنها تبقى رهنًا؛ بل له أخذها فيطالبه الخازن بردِّ الكتاب، وعلى كلٍّ فلا تثبت له أحكام الرهن ولا بيعه ولا بدلٌ الكتاب الموقوف بتلفه إن لم يفرط"(١).
وجاء عن المالكية ما نقله لنا صاحب مواهب الجليل، قوله: "سُئل الشيخ تقي الدين: إذا وقف كتابًا على عامة المسلمين، وشرط ألا يُعار إلا برهن؛ فهل يصح هذا الرهن أم لا؟ فأجاب: لا يصح هذا الرهن؛ لأنها غير مأمونة في يد موقوف عليه، ولا يُقال لها: عارية؛ أيضًا، بل الآخذ لها إن كان من أهل الْوَقْف مستحقًا للانتفاع فيده عليها يد أمانة، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد، ويكون في يد الخازن للكتب أمانة؛ لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها، والرهن أمانة، هذا إذا أريد الرهن الشرعي، وأما إن أريد مدلوله لغة وأن يكون تذكرة؛ فيصح الشَّرط؛ لأنَّهُ غرض صحيح، وأما
(١) رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٤/ ٣٥٢.