[المبحث الرابع المتطلبات القانونية لإثبات الوقف وتوثيقه]
أولًا: تنظيم التوثيق في العصر الحاضر:
أمر الله تعالى بالتوثيق بطرق متعددة كما سبق كالشهادة والكتابة والرهن والكفالة (الضمان) والاحتباس، وكان ذلك تكليفًا شخصيًا للأفراد، وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنشئت الدواوين الرسمية في الدولة، وبدأ التدوين في بعض المجالات، ثم شرع القضاة لاحقًا بتسجيل الأحكام، بدءًا من المواريث والوقف وأموال الأيتام، وانتهاء بتسجيل جميع الأحكام التي تصدر من الحاكم، ثم قررت الحكومات في العصور الأخيرة تسجيل جميع المعاملات، حتى فرضت على التجار مسك الدفاتر وتسجيل جميع النشاطات التجارية.
وفي العصر الحديث أصدرت الدولة أنظمة وقوانين للتوثيق، وأنشأت دوائر التوثيق (وسميت بمصر هيئة التصرفات في المحاكم الشرعية) وصدر نظام كتّاب العدل، ثم أنشئ السجل العقاري (أو الشهر العقاري) لتسجيل الأراضي والأبنية ثم فرضت الدول وجوب تسجيل المركبات البرية والبحرية والجوية، وقررت تسجيل جميع الأنشطة في أجهزة الدولة ومؤسساتها.
وإن التوثيق الذي عرف في تاريخ الإسلام والفقه الإسلامي هو بعينه التوثيق في الوقت الحاضر، مع بعض الاختلاف الذي ينحصر في أن كاتب الوثائق قديمًا لم يكن موظفًا عموميًا، وكان التوثيق اختياريًا، فإذا اتفق المتعاقدان على توثيق تصرفاتهم استكتبوا فقيهًا ديِّنًا ليكتب لهم ما اتفقوا عليه بينهم.
وفي الوقت الحاضر اشترطت الأنظمة والقوانين توثيق التصرفات، واشترطت أن يتم ذلك أمام الموثق باعتباره موظفًا عمومًا حاصلًا على مؤهلات محددة ومعينة من الدولة، فينحصر الفرق في أمرين: صفة الإلزام، والموثق العمومي (١)، وكذلك الحال للتوثيق بالنسبة للدول الإسلامية على اختلافها.
(١) انظر: الموجز في التوثيق، السيد كمال الشوري، ٧ - ٨.