تمهيد: إن شروط الواقف سلاحٌ ذو حدين، فإذا احتُرمت إرادة الواقف، والتزمت شُرُوطه، وحوفظ على أمواله وعقاره من الموقوفات؛ فهذا يثير الاطمئنان في نفسه ونفوس غيره من أهل الخير والمعروف الذين يندفعون أيضًا للوقف، عندما يتأكدون بأن ما يريدونه يتحقق من خلال المُتَوَلِّين والنُّظّار القائمين على الأوقاف.
ومن ناحيةٍ أخرى؛ فإن الامتثال الأصمّ لشروط الواقف، وإقرارها بحذافيرها، وإضفاء القدسية عليها، حتى إن كانت لا تتلائم والظروف الاقتصادية والاجتماعية ولا تلبي الموقوفات بسبب هذه الشروط - حاجات المجتمع، والبغية من شريعة الوقف؛ فإن ذلك سيتسبب في انحسار مقاصد الوقف الأصلية في سد ثغرات المجتمع، وتطوير إمكاناته الاقتصادية، وصولًا إلى التكامل الاقتصادي الذي يزيل الفقر والفاقة عن طريقه، لذا كان لابد أن يكون لولي الأمر سلطان مدروسٌ شرعًا لمعالجة هذه المعضلة، وإلا سيدفع ما يضعه الواقف مِن شروط متعسّفة بالوقف إلى مهب الريح (١).
فما هي إذن حدود سلطة ولي الأمر في تقييد الواقف في شروط وقفه؟
ابتداء؛ لابد من الفصل بين شروط الواقف الصحيحة التي يستحسنها الشرع، والعقل والمنطق والذوق السليم؛ على أن تكون قبل ذلك متوافقة مع أحكام الشريعة ومقاصدها، وبين الشروط الباطلة أو الفاسدة التي لا يقرها الشرع ولا يستسيغها العقل والذوق.
ولا شك أن المفترض هو أن تكون شروط الواقف دائرة حول المصالح العامة ومحققة لها؛ حيث إن الدافع الرئيسي إلى الوقف هو الإحساس الديني والهمّ الاجتماعي اللذان يدفعان بأهل الخير إلى وقف بعض أموالهم في أمور البر والإحسان، لكن ويسبب المستوى الثقافي والوعي الديني لبعض الواقفين تكون بعض شروطهم - أحيانا -
(١) انظر: بحث الضوابط الشرعية في تغيير شروط الواقف ودور الناظر فيها، د. محسن القزويني، ٢٠١٠ م.