للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصطدمة مع فلسفة الوقف، ومتعارضة مع المصلحة التي يسعى مِن أجلها الواقف، ومتنافية مع الأحكام الشرعية التي ربما غابت عن الواقف لحظة وقفه؛ فكان لا بد أن نتلقى في البدء شروط الواقف بحسن نية؛ لأنه في الأساس لم يكُن مجبرًا على الوقف، فاختياره لهذا المسلك جاء عن قناعة وإرادة ذاتية مصدرها عوامل الخير التي جُبل عليها الواقف فقال تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (١).

ثم إن من المعلوم فقهًا أن الولاية الخاصة للأوصياء والنُّظّار وغيرهم تنتقل إلى السلطان بمقتضى ولايته العامة، عند انعدام شروط الولاية؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "السلطان ولي من لا ولي له (٢)؛ فيمارسها ولي الأمر الأكبر بنفسه أو بواسطة أحد نوابه؛ من ولاة وقضاة ونحوهم؛ لأجل قيام المصلحة المرجوة من المولى عليه؛ لأنه منوط به النظر في أمر المسلمين، والقيام بمصالحهم، وصار مشهورا غير منكور أن نوابه بمثابته (٣).

ومن المقرر فقها أيضًا أنّ الولاية الخاصة عند وجودها مقدّمة على الولاية العامة؛ لأنها أقوى منها؛ إذ قاعدة الفقهاء: "الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة"؛ فمثلا: متولي الوقف ووصيُّ اليتيم ووليُّ الصغير؛ ولايتهم خاصة، وولاية القاضي بالنسبة إليهم عامة، وأعمّ منها ولاية ولي الأمر الأكبر؛ فولاية المتولي والوصي أقوى من ولاية القاضي، وولاية القاضي أقوى من ولاية من ولاه؛ لأن كل ما كان أقل اشتراكًا؛ كان أقوى تأثيرا وامتلاكا؛ إذن فكلما كانت الولاية المرتبطة بشيء أخصّ مما فوقها بسبب ارتباطها به وحده، كانت أقوى تأثيرا في ذلك الشيء مما فوقها في العموم، فتكون الولاية العامة كأنها انفكت عما خصصت له الولاية الخاصة، ولم يبق لها إلا


(١) سورة التوبة، آية ٩١.
(٢) مسند الإمام أحمد،٥١/ ٣١٩ برقم: ٢٤١٦٢.
(٣) انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، ٤/ ٤٠٢، والإقناع، البهوتي، ٤/ ٥٢، والمنهاج وشرح الجلال،٢/ ٣٠٤، والمغني، ابن قدامة، ٦/ ٦٤٠ - ٦٤١، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٧٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>