للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت العرب في الجاهلية تحرص على أن يكون المال الذي تنفقه على الوقف الديني مالًا حلالًا، فقد تجنبت قريش حين أرادت إعادة بناء الكعبة بعد أن هدمها السيل أن تُدْخِلَ فيه مالًا حرامًا، وقد نادى مناديهم قبيل الشروع في البناء: "لا تُدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبًا، لا تُدخلوا فيه مهر بغي، ولا بيع ريا، ولا مظلمة أحد من الناس" (١).

وقد عرف العرب في الجاهلية حبس الحيوانات في نذورهم وعبادتهم؛ مدَّعين أن الله أمرهم بذلك كذبًا وزورًا، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (٢).

وهكذا كان الوقف عند الأمم القديمة بسيطًا في مبناه، نخبويًا في عطائه، لا تحكمه قوانين محددة، ولا يمثل ظاهرة واضحة في المجتمع، وكان هدفه في الغالب الأعم السمعة والرياء، عكس ما هو الحال في الحضارة الإسلامية التي تميز فيها الوقف بسمو الغاية، وشمولية النظرة، وصرامة الضوابط والأحكام، حيث مثل ظاهرة عامة شارك فيها الحاكم والمحكوم وكل شرائح المجتمع، كما سنرى في الصفحات الآتية.


(١) الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي أبو القاسم، ١/ ٣١٠، والماء في الفكر الإسلامي والأدب العربي، محمد بنعبد العزيز بنعبد الله، ٤/ ٤٥.
(٢) سورة المائدة، آية ١٠٣، البحيرة: هي الناقة تلد خمس أبطن، فإن كانت الخامسة أنثى شقوا أذنها وحرمت على النساء، والسائبة: كانوا يسيبونها ولا يركبون لها ظهرًا، ولا يحلبون لها لبنًا، والوصيلة: الشاة تلد سبع أبطن، فإن كان السابع ذكرًا أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، ولا تُذبح، وتكون منافعها للرجال دون النساء، فإن ماتت اشترك فيها الرجال والنساء، والحام: الفحل ينتج من ظهره عشرة أبطن؛ فيقولون: قد حمى ظهره، فيسيبونه للأصنام، ولا يُحمل عليه، ثم يقولون بأن الله عز وجل أمرهم بذلك. انظر: تلبيس إبليس، ابن الجوزي، عند ذكر التلبيس على الجاهلية، والوقف وأثره في تنمية موارد الجامعات، سليمان أبو الخيل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ٢٠٠٤ م، ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>