للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمنصب (ولي الأمر) أو للمسلمين، فيمكن أن يوقفها على العنوان نفسه، كما تقدم ذلك في بحث جواز أن يُوقف ولي الأمر مال بيت المسلمين على مصلحة عامة لهم.

ومن فرَّق بينهما من جهة أن ولي الأمر (الحاكم) لا يملك لما في بيت مال المسلمين والموقوف يشترط أن يكون مملوكًا للواقف، فكيف نطلق على هذه العملية الجائزة "الوقف"، مع أن الحاكم لا يملك ما في بيت المال؟ فالجواب: إنّ هذه التفرقة لا محصّل لها؛ لأن بيت مال المسلمين هو مملوك للمسلمين والإمام (الحاكم) وليّهم، فهو عندما يقف المالُ فإنه يقف مالًا مملوكًا لمالك معين، وهو عنوان المسلمين، وحينئذٍ الولي (الحاكم) له الولاية في التصرف على هذا المال، فيكون عمله وقفًا ولا حاجة إلى تسميته إرصادًا.

قال ابن البرّاج صاحب المهذّب في الفقه: "الوقف في الأصل صدقة، ويثبت صحته بأمرين؛ أحدهما: التصرف فيما يقفه الإنسان، إمّا بملك أو إذن، والآخر: أن يقبضه ويخرجه عن يده إلى من هو وقف عليه، أو لمن يتولّى عنه ذلك أو يقوم مقامه في قبضه، فإذا وقف على خلاف ذلك كان باطلًا" (١).

وهنا بما أن الإمام هو ولي المسلمين، وهو مأذون في التصرف بما فيه مصلحة للمسلمين، فإذا شخص وأحرز مصلحة في وقف المال العام للمسلمين؛ فله ذلك، ويصح وقفه، كما يصح إقباض ما تحت يده للمسلمين.

نعم إذا كان هنا إشكال، فهو عبارة عن أن هذا الوقف، هو وقف على النفس، ويشترط في الوقف أن لا يكون على النفس، وليس الإشكال هو عدم الملكية.

والجواب على هذا الإشكال: أنه إن ثبت بالدليل عدم صحة الوقف على النفس، وقد ثبت بالدليل صحة نقل وقف الإمام المال العام على المصلحة العامة، فحينئذٍ يكون هذا الأمر الثاني تقييدًا للأمر الأول، فإن المسألة شرعية، والشارع له حق التخصيص أو التقييد (٢).


(١) المهذب في الفقه، أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج، ٢/ ٨٦.
(٢) كما ثبت صحة هذا عند الإمامية، وعند بعض أهل السنة حيث قالوا: لو وقف السلطان من بيت المال لمصلحة عامة، يجوز، ويؤجر، ويجوز للسلطان أن يأذن بوقف أرض على مسجد من أراضي البلاد المفتوحة عنوة التي لم تقسّم بين الغانمين. راجع: الفقه الاسلامي وأدلته، ١٠/ ٧٦١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>