للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثالث: أنه يصح وقف الدراهم والدنانير إذا جرى بوقفها التعامل في عرف الناس، وبه قال محمد بن الحسن وزفر، وذهب إليه عامة متأخري الحنفية، وهو المفتى به في المذهب.

فقد جاء في الهداية للميرغناني الحنفي: "وعن محمد: أنه يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات" (١)، وقال ابن نجيم في البحر الرائق: "وقال محمد: يجوز وقف ما فيه تعامل من المنقولات، واختاره أكثر فقهاء الأمصار، وهو الصحيح" (٢)، وجاء في حاشية ابن عابدين الحنفي: "ولمّا جرى التعامل في زماننا في البلاد الرومية وغيرهما في وقف الدراهم والدنانير؛ دخلت تحت قول محمد المفتي به في وقف كل منقول فيه تعامل، كما لا يخفى، فلا يحتاج على هذا إلى تخصيص القول بجواز وقفها المذهب زفر" (٣)، وقال: "وقد أفتى صاحب البحر بجواز وقفها، ولم يَحكِ خلافًا" (٤).

الأدلة:

استدلوا على المنع فيما لم يجر به التعامل؛ لأنه منقول، وهم لا يرون وقف المنقول، إلا ما استثني بنص، وليست الدراهم والدنانير منه، واستدلوا على الجواز إذا جرى بوقفها التعامل بالعرف؛ لأن العرف عندهم يقضي على القياس، ووجه ذلك أن القياس ألا يجوز وقف ما لم يرد النص باستثنائه، غير أن تعامل الناس وأعرافهم أقوى من القياس.

القول الرابع: أنه يكره وقف الدنانير والدراهم. وهو قول عند المالكية، قال ابن رشد: "وأما الدنانير والدراهم وما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه؛ فتحبيسه مكروه" (٥).


(١) الهداية، المرغيناني، ٣/ ٦١.
(٢) البحر الرائق، ابن نجيم المصري، ٥/ ٨١٢.
(٣) رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٣/ ٤٧٣.
(٤) المرجع السابق، ٣/ ٤٧٣.
(٥) البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: د محمد حجي وآخرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط ٢، ١٤٠٨ هـ/ ١٩٨٨ م، ١٢/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>