للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال إمام الحرمين الجويني: "فأما عمارة الوقف إذا كان الموقوف عقارًا أو كان الوقف مطلقًا وريعه لا يفي بالعمارة التي لابد منها في إقامة الوقف وإدامته فلا خلاف أنه لا يجب على أحد" (١). وقال: "إن من وقف دارا فأشرفت على الخراب وعرفنا أنها لو انهدمت عسر ردها وإقامتها فهل يحكم والحالة هذه بجواز بيعها؟ اختلف الأئمة فيه، فذهب الأكثرون إلى منع البيع وجوّز المحررون البيع، فإن منعنا البيع أدمنا الوقف وانتظرنا ما يكون، وإن جوّزنا البيع فالأصح صرف الثمن إلى جهة الوقف" (٢).

وقال المرداوي في الوقف الذي لا غلة له: "وإن كان الوقف لا روح فيه كالعقار ونحوه لم تجب عمارته على أحد مطلقًا، على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وجزم به الحارثي وغيره" (٣). وقال: "الصحيح من المذهب أنه يباع والحالة هذه، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم" (٤).

الأدلة: احتج أصحاب هذا القول على ما ذهبوا إليه بأن عمارة الأوقاف كعمارة الأملاك، والمالك لا يجب عليه أن يعمر ملكه. فلا تجب العمارة لا على الموقوف عليه إذا نسينا الملك إليه، ولا في مال الله تعالى على القول بإضافة الملك إلى الله تعالى، ولا على الواقف على قول أن الملك له (٥). قالوا: فإذا لم تجب عمارة العين الموقوفة على أحد وجب أن تباع ويشترى بثمنها مثلها مما ينتفع به في الوجه الذي وقف فيه، لأن في ذلك استيفاء الوقف بمعناه عند تعذر استيفائه بصورته (٦).

القول الثاني: أنه لا يجب عمارته على أحد، ولكن إذا لم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، ولا يجوز بيعه كله إلا إذا تعذر بيع بعضه، أو كان لا يفي بعمارته. وهذا قول لبعض الحنابلة (٧).


(١) نهاية المطلب، الجويني، ٨/ ٣٩٤.
(٢) نهاية المطلب، الجويني، ٨/ ٣٩٤.
(٣) الإنصاف، المرداوي، ٧/ ٧١.
(٤) الإنصاف، المرداوي، ٧/ ١٠٢.
(٥) انظر: نهاية المطلب، الجويني، ٨/ ٣٩٨.
(٦) انظر: المغني، ابن قدامة، ٨/ ٢٢٢.
(٧) انظر: الإنصاف، المرداوي، ٧/ ١٠٤، ومطالب أولي النهى، السيوطي الرحيباني، ٤/ ٣٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>