للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنواع ... ومنها أن يخرجه الواقف من يده ويجعل له قيما ويسلمه إليه عند أبي حنيفة ومحمد ... واحتج بما روي أن سيدنا عمر - رضي الله عنه - وقف وكان يتولى أمر وقفه بنفسه وكان في يده، وروي عن سيدنا علي - رضي الله عنه - أنه كان يفعل كذلك؛ ولأن هذا إزالة الملك لا إلى أحد (١)، فلا يشترط فيه التسليم؛ كالإعتاق، ولهما أن الوقف إخراج المال عن الملك على وجه الصدقة فلا يصح بدون التسليم كسائر التصرفات. وأما وقف عمر وعلي رضي الله عنهما فاحتمل أنهما أخرجاه عن أيديهما وسلماه إلى المتولي بعد ذلك، فصح؛ كمن وهب من آخر شيئًا أو تصدق أو لم يسلم إليه وقت الصدقة والهبة ثم سلم صح التسليم، كذا هذا، ثم التسليم في الوقف عندهما أن يجعل له قيما ويسلمه إليه، وفي المسجد أن يصلي فيه جماعة بأذان وإقامة بإذنه، كذا ذكر القاضي في شرح الطحاوي، وذكر القدوري رحمه الله في شرحه أنه إذا أذن للناس بالصلاة فيه فصلى واحد كان تسليما ويزول ملكه عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله" (٢).

وذكر علي القاري في فتح باب العناية بشرح النقاية: " (فلا يزول ملك المالك عند أبي حنيفة رحمه الله) ... (إلا أن يحكم به حاكم) ولَّاه الإمام، فإنه حينئذ يزول ملك الواقف عنه لقضائه في أمر مجتهد فيه. وصورة الحكم أن يسلم الواقف وقفه إلى المتولي، ثم يريد أن يرجع بعلة عدم اللزوم، فيختصمان إلى القاضي فيقضي باللزوم. (وإلا في مسجد بُني وأفرز بطريقه) أي ميز به عن غيره بتعينه (وأذن للناس بالصلاة فيه) أي إذنا عاما (وصلى فيه واحد) فإنه أيضًا يزول ملكه عنه، لأنه جعله خالصا لله تعالى. وشرط الإفراز، لأنه لا يخلص لله إلا به، والإذن بالصلاة لأن التسليم لا بد منه عند أبي حنيفة ومحمد، وهو في المسجد بذلك، لأنه في كل شيء بحسبه، واكتفى بصلاة الواحد، لأن فعل الجميع متعذر فاشترط الأقل، ولأن


(١) في الأصل: (حد)، وما أثبتناه أصح.
(٢) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت، ٦/ ٢١٩ - ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>