للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الذي رجحه معظم علماء المالكية، قال الحطاب: "واختلف فيها فتوى المتأخرين: فتاوى ابن رشد، وفتيا ابن الحاج، والراجح فيها فتيا ابن رشد؛ لأن لفظ الواقف لما كان قابلًا للاحتمالين وتعذر ترجيح أحدهما بتفسير الواقف؛ اعتمد ابن رشد في ترجيح أحدهما بعادة الناس وهي العرف، وباستصحاب الحالة السابقة، واعتمد مخالفه على ظاهر اللفظ، أو أنه أظهر الاحتمالين في اللفظ (١).

الرأي الثاني: اعتبر عرف الواقف أو لغته: حيث قال به أكثر أهل العلم، وهو أن المعتبر عرف الاستعمال أو لغة المتكلم دون النظر إلى لغةٍ أو عرفٍ آخَرَيْن؛ لأن كلام الناس في عقودهم وإنشاءاتهم إنما يدل على مقاصدهم هم، فلا تكون لغة الشارع أو عرفه دليلا على مقاصدهم.

ويُقوَّى هذا من وجه آخر: بأنه إذا كانت اللغة الغالبة لبلد إنما تُعرف بها مقاصد المتكلمين بها، وأنه لا يجوز أن يُفسَّر بها كلام أقلية تتكلم بغيرها، فكذلك ألفاظ وعقود الناس إنما تُفسر بلغتهم، أو عرف استعمالهم، وليس بلغة الشارع أو عرفه.

ولا يُستثنى من هذه القاعدة ما استثناه الزركشي رحمه الله مما تعلق به حكمٌ بعرف الشرع، وذلك لأن مناط الحكم هو مراد المتكلم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بلغته، أو عرف استعماله.

وهذه المسألة - في أصلها - ضرورية ظاهرة؛ ولهذا بنى عليها العلماء في فهم ألفاظ الكتاب والسنة؛ فقرروا أن المعتبر في ذلك مصطلح الشارع؛ لأنه أقوى الدلالات على مراده؛ فإن لم يوجد له مصطلح فلغة العرب؛ لنزول القرآن بها؛ فإن لم توجد فعرف المخاطبين في ذلك.

فعلى ذلك: لو وقف على الفقراء من يرى أن عادم بيت المثل فقير، جاز لناظر وقفه أن يُعطي مَنْ هذه صفته من ريع هذا الوقف، ولو كان حد الفقر في الشريعة لا ينطبق عليه؛ لأننا استنبطنا مراده من عرفه المطرد.


(١) انظر: أحكام الوقف، يحيى بن محمد الحطاب، دار ابن حزم، مصر، د، ط، ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>