للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدلالات، ولكن وجوب العمل لا يعني وجوبه مطلقا، بل هو مقيد بتوافر شروطه عند كل مذهب (١).

يقول السبكي: "بل يجب اتباع شرط الواقف نصًا، كان أو ظاهرًا، والفقهاء يقولون: "شروط الواقف كنصوص الشارع"، وأنا أقول - من طريق الأدب - شروط الواقف من نصوص الشارع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المؤمنون عند شروطهم" وإذا كانت مخالفة النص تقتضي نقض الحكم؛ فمخالفة شرط الواقف تقتضي نقض الحكم" (٢).

ولكن ابن تيمية حمل قول الفقهاء هذا على الدلالة، فقال: "ومن قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف، لا في وجوب العمل بها ... وأما أن تُجعل نصوص الواقف، أو نصوص غيره من العاقدين؛ كنصوص الشارع في وجوب العمل بها؛ فهذا كفر باتفاق المسلمين؛ إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ككك ٢).

ولعل المراد من تقريرات الفقهاء وتحريراتهم في باب شروط الوقف مقصود به - والله أعلم - أن نصَّ الواقف أو شَرْطَه - من حيث التفسير والدلالة - كنصّ الشارع، وكذا: من حيث وجوب العمل به ما دام صحيحًا، أما إذا تعارض مع النص الصحيح الصّريح، أو مع مقتضى الوقف المتفق عليه، فإنه شرطٌ باطلٌ لا اعتداد به، إذ لم يقل فقيهٌ واحدٌ بصحّة الشّرط المخالف للنصّ الصحيح الصّريح، حتى إنّ الحنفية صرحوا بأن القضاء يُنقَض إذا كان ما حكم به مخالفًا للنّص، أو لشرْط الواقف، أي الصحيح (٣).


(١) انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٣/ ٤٥٣، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، دار الجيل، بيروت، ط ١، ١٤١١ هـ/ ١٩٩١ م، ٢/ ١٣٨، والفتاوى، السبكي، ٢/ ١٤، ومطالب أولي النهى، السيوطي الحنبلي، ٤/ ٣٢٠.
(٢) الفتاوي السبكي، ٢/ ١٠، ١٣.
(٣) مجموع الفتاوي، ابن تيمية، ٣/ ٤٧ - ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>