للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موته؛ لأنه عينه لقربة وقد انقطعت؛ فصار كحصير المسجد وحشيشه إذا استغنى عنه، إلا أبا يوسف؛ يقول في الحصير والحشيش: إنه ينقل إلى مسجد آخر (١).

وقد اتفق المالكية، والشافعية، والإباضية (٢) مع رأي أبي يوسف في أن المسجد يظلّ مسجدًا، فلا يجوز بيعه لظاهر النصوص الدالة على عدم جواز بيع الموقوف مثل قول عمر: "فلا يباع أصلها ولا يوهب" (٣)؛ لأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطلها، ولكن يجوز نقل آلته وأنقاضه إلى مسجد آخر.

وأما الحنابلة فيرون عدم التفرقة بين المسجد وغيره حيث يباع ويشترى بثمنه مكانٌ آخر ليكون مسجدًا بدله، ولأهمية رأيهم ووجود تفاصيل فيه أنقل ما جاء في المغني: "إن الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتًا ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم يمكن عمارته، ولا عمارة بعضه إلّا ببيع بعضه، جاز بيع بعضه لتعمّر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه"، وأضاف الحنابلة إلى ما سبق حالة الخوف من اللصوص في رواية صالح عن أحمد، وكذلك إذا كان موضعه قذرًا يمنع من الصلاة فيها (٤).

وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب أحمد في هذه المسألة (٥): حيث ذكر أن مذهب أحمد في غير المسجد أنه يجوز بيعه للحاجة، وأما المسجد فيجوز بيعه أيضًا للحاجة في أشهر الروايتين عنه، وفي الأخرى: لا تباع عرصته، بل تنقل آلتها إلى موضع آخر.


(١) انظر: العناية مع فتح القدير، ٦/ ٢٣٦ - ٢٣٧.
(٢) انظر: اللُّمْعَةُ المرْضِيَّة من أشِعَّة الإباضيَّة، نور الدِّين عبد الله بن محمد السَّالِميّ، اعتنى بها: سُلطانُ بن مُبَارَك بن محمد الشَّيْبَانِيّ، مكتبة عُمان، ط ١، ١٤٣٥ هـ/ ٢٠١٤ م، ١٢/ ١٠٢، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، ٤/ ٩١، والغاية القصوى في أصول الفقه، الشهشهاني الأصفهاني، ٢/ ٦٤٩، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، ٥/ ٣٥٧.
(٣) صحيح البخاري مع الفتح، ٥/ ٣٩٩، وصحيح مسلم، ٣/ ١٢٥٥.
(٤) انظر: المغني، ابن قدامة، ٥/ ٦٣٢.
(٥) انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ٣١/ ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>