للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثالث: أن عموم أدلة لزوم الوفاء بالشرط يقتضي العمل بها هنا، وعموم ما دلَّ على أن الوقوف على حسب ما أوقفها أهلها، فقد روى محمد بن الحسن بن الصفار أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي في الوقف وما روي فيه عن آبائه، فوقَّع: "الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله" (١)، وأيضًا مما يدل على ذلك المسيرة الخارجية الممضاة، فإن السيرة جارية على جعل الولاية للواقف على العين الموقوفة (٢).

أدلة أصحاب القول الثاني: أن الواقف إذا اشترط النظارة لنفسه وكان الوقف على غير صغار ولده أو من في حجره؛ فالشرط باطل، ويلزم الواقف إقباض الوقف للموقوف عليه، فإن امتنع من ذلك أجبر عليه، فإن لم يقبض عنه ولا خرج عن يده حتى مات؛ فالوقف باطل، ويكون موروثًا عنه.

المعقول وبيانه من وجهين:

الوجه الأول: أن الحيازة من شرط تمام الوقف؛ لأنه لو أجيز دون حيازة؛ لكان ذلك ذريعة إلى أن ينتفع الإنسان بماله طول حياته، ثم يخرجه عن ورثته بعد وفاته، وذلك ممنوع؛ لأن الله تعالى فرض فرائض لأهلها، وتوعَّد على تعديها، حيث قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٣).

الثاني: الوقف دون حيازة يؤدي إلى الشقاق والاختلاف عند وفاة الواقف، قال الحطَّاب: "سُئلت عن رجل أوقف وقفًا وشرط النظر لنفسيه مدة حياته، وحكم بصحة الوقف قاضٍ مالكي، فانتقل القاضي المذكور والواقف بالوفاة بعد مدَّة، فدعت زوجة الواقف أولاده إلى قاضٍ مالكي آخر في ميراثها من الأرض الموقوفة، فأظهروا كتاب الوقف، فأبطله وحكم لها بإرثها" (٤).


(١) الوسائل، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت، ١٩/ ١٧٥.
(٢) مستند القضاء الجعفري، السيد عبد الله فحص، ٤٩٩ - ٥٠٠.
(٣) سورة البقرة، آية ٢٢٩، وانظر: المقدمات الممهدات، محمد بن أحمد القرطبي المشهور بـ "ابن رشد"، ٢/ ٤١٠.
(٤) انظر: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن عبد الرحمن الحطاب، ٦/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>