للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وناظر الوقف فرد من أفراد هذه القاعدة، وإذا تقرَّر أن الناظر لا يتصرَّف إلا بمقتضى المصلحة وأنه ممنوع من التصرُّف خلاف ذلك شُرعت محاسبته؛ للتأكد من عدم إخلاله بالمصلحة التي هو مطالب بالتصرف على حسبها، وفي الصحيح "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلًا على الصدقة؛ فلما رجع حاسبه"، وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين (١).

يقول ابن نجيم الحنفي نقلًا عن القنية: "إن مشروعية المحاسبات للنظار إنما هي ليعرف القاضي الخائن من الأمين" (٢).

وبتتبُّع عبارات الفقهاء يتبيَّن أن الجهات التي لها محاسبة الناظر هي: الموقوف عليهم، والقاضي، وللسلطان كذلك أن ينصب ديوانًا يختصُّ بمحاسبة النظار؛ باعتبار أن السلطان هو الذي يقرر ولاية القضاة في الرقابة على الناظر، فلا مانع من أن يقرر الولاية لغيرهم؛ فقد سُئل ابن تيمية الحنبلي عن أوقاف ببلد؛ بعضها له ناظر خاص، وبعضها له ناظر من جهة ولي الأمر، وقد أقام ولي الأمر على كل صنف ديوانًا، يحفظون أوقافه، ويصرفون ريعه في مصارفه، وينظر في تصرفات النظَّار والمباشرين، ويحقِّق ما يجب تحقيقه من الأموال المصروفة .. فهل لولي الأمر أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة؟ أم لا؟ فأجاب: نعم لولي الأمر أن ينصب ديوانًا مستوفيًا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة، كما له أن ينصب الدواوين لحساب الأموال السلطانية كالفيء وغيره، وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال، واستيفاء الحساب وضبط مقبوض المال ومصروفه من العمل الذي له أصل (٣).

كما أسند الفقهاء مهمة محاسبة النظار ومتابعة سير أعمالهم إلى القاضي إذا كانت ولايته عامَّة، أو كان قد خصه الحاكم بالنظر في الأوقاف فأصبح هو الذي يتابع أعمال الناظر ويشرف عليها (٤).


(١) انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، ٣١/ ٨٥ - ٨٦، وكشاف القناع، البهوتي، ٤/ ٢٧٧.
(٢) البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، ٥/ ٢٦٣.
(٣) انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، ٣١/ ٨٥، ومطالب أولي النهى، الرحيباني، ٤/ ٣٣٤.
(٤) انظر: الأحكام السلطانية، الماوردي، ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>