للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يملك قضاءه من غلَّة الوقف التي هي للفقراء (١)، وبرَّر بعضهم ذلك بـ"أن الوقف لا ذمَّة له" (٢).

ومن أجاز الاستدانة قال: إذا استدان ناظر الوقف لإصلاحه مثلًا مبلغًا يزيد عن قيمة الوقف، ثمّ لم يقدر على السداد؛ كانت الزيادة في ذمَّة الناظر؛ مما يدل على أن الوقف يفتقر إلى الذمَّة المالية المستقلة، وإلا كانت الديون قد ثبتت في ذمته، ولكانت تلك الديون في ذمَّة الوقف لا تنتقل بحال إلى ذمَّة الناظر، ففقهاء الإسلام عرفوا الشخصية الاعتبارية ذات الذمَّة المالية المستقلة، والمسئولية المحدودة لا مستند له ولا دليل عليه، وإن لم يتناولوه صراحة قديمًا، فاحتاج إلى قدر من النظر والتأمل المعرفة ما يترتب عليه من أحكام (٣).

بينما أورد د. علي محيي الدِّين القره داغي القول بثبوت نوع من الذمَّة للوقف (٤)، وذهب إلى: "أن الفقه الإسلامي وإن لم يعترف للهيئات والشركات بوجود شخصية معنوية على غرار التشريعات الحديثة؛ لكنه وصل بطريقته إلى حلول تقترب منها حلول الفقه الوضعي من حيث الآثار والنتائج، فقد عالج الفقه الإسلامي الموضوع بشكل يقرُّ له بنوع من استقلالية الذمَّة، حيث قرَّر الفقهاء جواز الوقف على الجهة؛ وهي أشخاص غير معيَّنين؛ كالفقراء، أو مصالح خيرية؛ كالمساجد والمستشفيات .. ونحوها (٥)، وقرَّر بعضهم - كالشافعية (٦) والحنابلة (٧) وغيرهم - جواز انتقال الملك إليها، فهذا دليل على انتقال الملك إلى غير الإنسان، بل أجاز بعضهم الوقف على بهيمة ويقبله المالك ويُنفق عليها من ريعه (٨)، كما ذكر فقهاء الحنفية والشافعية أنه يجوز للقيِّم أن يستدين على


(١) انظر: البحر الرائق، ابن نجيم الحنفي، ٥/ ٢٢٧.
(٢) حاشية ابن عابدين، ٤/ ٤٣٨.
(٣) انظر: أثر الخلاف بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية، د. مُحَمَّد علي القري، ٩ - ١٠.
(٤) الشخصية المعنوية أو الذمَّة المالية للوقف، د. علي القره داغي.
(٥) انظر: فتاوى قاضيخان، ٣/ ٢٩٣، وروضة الطالبين، النَّوَوِي، ٥/ ٣١٩.
(٦) انظر: الروضة، النَّوَوِي، ٥/ ٣٤٢.
(٧) انظر: المغني، ابن قدامة، ٥/ ٦٠١.
(٨) انظر: الروضة، النَّوَوِي، ٥/ ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>