اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ وَلَا نَمْنَعُكُمْ الْفَيْءَ مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْرَقِيُّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَدِيًّا كَتَبَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْخَوَارِجَ عِنْدَنَا يَسُبُّونَك فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ سَبُّونِي فَسُبُّوهُمْ أَوْ اُعْفُوَا عَنْهُمْ وَإِنْ أَشْهَرُوا السِّلَاحَ فَأَشْهِرُوا عَلَيْهِمْ وَإِنْ ضَرَبُوا فَاضْرِبُوهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَعْنِهِمْ دِمَاؤُهُمْ وَلَا أَنْ يُمْنَعُوا الْفَيْءَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَكَانُوا أُسْوَتَهُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَلَا يُحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ قَالَ وَلَوْ شَهِدُوا شَهَادَةَ الْحَقِّ وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِهَذَا قَبْلَ الِاعْتِقَادِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَانَتْ حَالُهُمْ فِي الْعَفَافِ وَالْعُقُولُ حَسَنَةٌ الْبَغْيُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحْصِيَهُمْ بِأَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ فَإِنْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا لِمَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ بِتَصْدِيقِهِ عَلَى مَا لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُعَايِنُوا أَوْ يَسْتَحِلُّوا أَنْ يَنَالُوا مِنْ أَمْوَالِ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ أَبْدَانِهِمْ شَيْئًا يَجْعَلُونَ الشَّهَادَةَ بِالْبَاطِلِ ذَرِيعَةً إلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَهَكَذَا مَنْ بَغَى مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَجِبُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ مِنْ أَخْذِ الْحَقَّ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَلَوْ أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ لِلنَّاسِ دَمًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ اعْتَقَدُوا وَنَصَبُوا إمَامًا وَامْتَنَعُوا ثُمَّ سَأَلُوا أَنْ يُؤْمِنُوا عَلَى أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَلَا لِلنَّاسِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَخْذُ مَنْ أَحْدَثَ حَدًّا لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ هَرَبَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ وَيَمْتَنِعُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا فِي مِصْرٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ كَانَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَسَوَاءٌ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ وَلَوْ افْتَرَقَا كَانَتْ الْمُكَابَرَةُ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمَهُمَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا كَابَرُوا فَقَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا أُقِيمَ عَلَيْهِمْ الْحَقُّ فِي جَمِيعِ مَا أَخَذُوا وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعُوا فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا عَلَى غَيْرِ التَّأْوِيلِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ الْحَقَّ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَكُلِّ مَا أَتَوْا مِنْ حَدٍّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مُتَأَوِّلِينَ كَثِيرًا كَانُوا أَوْ قَلِيلًا اعْتَزَلُوا جَمَاعَةَ النَّاسِ فَكَانَ عَلَيْهِمْ وَالٍ لِأَهْلِ الْعَدْلِ يُجْرِي حُكْمَهُ فَقَتَلُوهُ وَغَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَعْتَقِدُوا وَيُظْهِرُوا حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُ الَّذِينَ اعْتَزَلُوا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَقَمُوا عَلَيْهِ الْحُكُومَةَ فَقَالُوا لَا نُسَاكِنُك فِي بَلَدٍ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَامِلًا فَسَمِعُوا لَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ ادْفَعُوا إلَيْنَا قَاتِلَهُ نَقْتُلْهُ بِهِ قَالُوا: كُلُّنَا قَاتِلُهُ قَالَ فَاسْتَسْلِمُوا نَحْكُمُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لَا فَسَارَ إلَيْهِمْ فَقَاتَلَهُمْ فَأَصَابَ أَكْثَرَهُمْ قَالَ وَكُلُّ مَا أَصَابُوهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَبْدَءُوا بِقِتَالٍ حَتَّى يَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ وَيَنْتَصِبُوا قَالَ وَهَكَذَا لَوْ خَرَجَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُمْ لَا يَمْتَنِعُ إذَا أُرِيدَ فَأَظْهَرُوا رَأْيَهُمْ وَنَابَذُوا إمَامَهُمْ الْعَادِلَ وَقَالُوا نَمْتَنِعُ مِنْ الْحُكْمِ فَأَصَابُوا دَمًا وَأَمْوَالًا وَحُدُودًا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُتَأَوِّلِينَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ وَأُخِذَتْ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلنَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِينَ فَإِنْ كَانَتْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ جَمَاعَةٌ تَكْثُرُ وَيَمْتَنِعُ مِثْلُهَا بِمَوْضِعِهَا الَّذِي هِيَ بِهِ بَعْضُ الِامْتِنَاعِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُنَالُ حَتَّى تَكْثُرَ نِكَايَتُهُ وَاعْتَقَدَتْ وَنَصَبُوا إمَامًا وَأَظْهَرُوا حُكْمًا وَامْتَنَعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ فَهَذِهِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ الَّتِي تُفَارِقُ حُكْمَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلَهَا فَيَنْبَغِي إذَا فَعَلُوا هَذَا أَنْ نَسْأَلَهُمْ مَا نَقَمُوا فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلِمَةً بَيِّنَةً رُدَّتْ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهَا بَيِّنَةً قِيلَ لَهُمْ عُودُوا لِمَا فَارَقْتُمْ مِنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَتُكُمْ وَكَلِمَةُ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَاحِدَةً وَأَنْ لَا تَمْتَنِعُوا مِنْ الْحُكْمِ فَإِنْ فَعَلُوا قُبِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ امْتَنَعُوا قِيلَ إنَّا مُؤْذِنُوكُمْ بِحَرْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute