فَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا قُوتِلُوا وَلَا يُقَاتَلُونَ حَتَّى يُدْعَوْا وَيُنَاظَرُوا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ الْمُنَاظَرَةِ فَيُقَاتَلُوا قَالَ وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمٍ فَلَمْ يُسَلِّمُوا أَوْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ فَمَنَعُوهَا وَحَالُوا دُونَهَا وَقَالُوا لَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ قُوتِلُوا حَتَّى يُقِرُّوا بِالْحُكْمِ وَيَعُودُوا لِمَا امْتَنَعُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَا أَصَابُوا فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ وَمَالٍ وَفَرْجٍ عَلَى التَّأْوِيلِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بَعْدُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَيُؤْخَذَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا أَصَابُوا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّأْوِيلِ مِنْ حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَأَيْت أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُقَامُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِمَّنْ هَرَبَ مِنْ حَدٍّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ فِي بِلَادٍ لَا وَالِيَ لَهَا ثُمَّ جَاءَ لَهَا وَالٍ وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارٍ غَلَبُوا الْإِمَامَ عَلَيْهَا فَصَارَ لَا يَجْرِي لَهُ بِهَا حُكْمٌ فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مَا أَصَابُوا بِالِامْتِنَاعِ وَلَا يَمْنَعُ الِامْتِنَاعُ حَقًّا يُقَامُ إنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّأْوِيلُ وَالِامْتِنَاعُ مَعًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنْتَ تُسْقِطُ مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا أَسْلَمُوا فَكَذَلِكَ أُسْقِطَ عَنْ حَرْبِيٍّ لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَقْتُلُ الْحَرْبِيَّ بَدِيئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَوِّلِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِذَا دُعِيَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَامْتَنَعُوا مِنْ الْإِجَابَةِ فَقُوتِلُوا فَالسِّيرَةُ فِيهِمْ مُخَالِفَةٌ لِلسِّيرَةِ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ ثُمَّ رَسُولَهُ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ مُقَاتِلِينَ أَبَدًا إلَّا مُقْبِلِينَ مُمْتَنِعِينَ مَرِيدِينَ فَمَتَى زَايَلُوا هَذِهِ الْمَعَانِي فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ الْحَالِ الَّتِي أُبِيحَ بِهَا قِتَالُهُمْ وَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا إلَّا إلَى أَنْ تَكُونَ دِمَاؤُهُمْ مُحَرَّمَةً كَهِيَ قَبْلُ يُحْدِثُونَ وَذَلِكَ بَيِّنٌ عِنْدِي فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَمْ يَسْتَثْنِ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْفَيْئَةِ فَسَوَاءٌ كَانَ لِلَّذِي فَاءَ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ فَمَتَى فَاءَ وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ حُرِّمَ دَمُهُ وَلَا يُقْتَلُ مِنْهُمْ مُدْبِرٌ أَبَدًا وَلَا أَسِيرٌ وَلَا جَرِيحٌ بِحَالٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ صَارُوا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي حَلَّتْ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَمْتَعُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِدَابَّةٍ تُرْكَبُ وَلَا مَتَاعٍ وَلَا سِلَاحٍ يُقَاتَلُ بِهِ فِي حَرْبِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَا بَعْدَ تَقَضِّيهَا وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمَا صَارَ إلَيْهِمْ مِنْ دَابَّةٍ فَحَبَسُوهَا أَوْ سِلَاحٍ فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ فِي الْقِتَالِ إنَّمَا تَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ فَحُدَّ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ فَهُوَ لَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَهُوَ إذَا قُوتِلَ فِي الْبَغْيِ كَانَ أَخَفَّ حَالًا لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يُقْتَلْ فَلَا يُسْتَمْتَعُ مِنْ مَالِهِ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ عَلَى مَالِهِ بِدَلَالَةٍ تُوجِبُ فِي مَالِهِ شَيْئًا قَالَ وَمَتَى أَلْقَى أَهْلُ الْبَغْيِ السِّلَاحَ لَمْ يُقَاتَلُوا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا قَاتَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ فَهُمْ مِثْلُهُمْ يُقَاتَلُونَ مُقْبِلِينَ وَيُتْرَكُونَ مُوَلِّينَ قَالَ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْأُسَارَى فَلَوْ أُسِرَ الْبَالِغُ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ فَحُبِسَ لِيُبَايِعَ رَجَوْت أَنْ يَسَعَ وَلَا يُحْبَسَ مَمْلُوكٌ وَلَا غَيْرُ بَالِغٍ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلَا امْرَأَةٌ لِتُبَايِعَ وَإِنَّمَا يُبَايِعُ النِّسَاءُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَمَّا عَلَى الطَّاعَةِ فَهُنَّ لَا جِهَادَ عَلَيْهِنَّ وَكَيْفَ يُبَايِعْنَ وَالْبَيْعَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي الْإِسْلَامِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ فَلَا أَرَى أَنْ يُحْبَسَ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ أَنْظِرُونَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُنْظَرُوا قَالَ وَلَوْ قَالُوا أَنْظِرُونَا مُدَّةً رَأَيْت أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو فَيْئَتَهُمْ أَحْبَبْت الِاسْتِينَاءُ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ جِهَادَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَخَافُ عَلَى الْفِئَةِ الْعَادِلَةِ الضَّعْفَ عَنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute