للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجَوْتُ تَأْخِيرَهُمْ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا أَوْ تُمْكِنُهُ الْقُوَّةُ عَلَيْهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا بِجُعْلٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مُسْلِمٍ جَعْلٌ عَلَى تَرْكِ حَقٍّ قَبِلَهُ وَلَا يَتْرُكُ جِهَادَهُ لِيَرْجِعَ إلَى حَقٍّ مَنَعَهُ أَوْ عَنْ بَاطِلٍ رَكِبَهُ وَالْأَخْذُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ وَالصَّغَارُ لَا يَجْرِي عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ وَلَوْ سَأَلُوا أَنْ يُتْرَكُوا أَبَدًا مُمْتَنِعِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ إذَا قَوِيَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَإِذَا تَحَصَّنُوا فَقَدْ قِيلَ يُقَاتَلُونَ بِالْمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ وَغَيْرِهَا وَيَبِيتُونَ إنْ شَاءَ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَأَنَا أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ فِيهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْإِمَامِ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مُتَحَصِّنًا فَيَغْزُونَهُ أَوْ يُحَرِّقُونَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْمُونَهُ بِمَجَانِيقَ أَوْ عَرَّادَاتٍ أَوْ يُحِيطُونَ بِهِ فَيَخَافُ الِاصْطِلَامَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا أَوْ بَعْضُهُ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ رَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مُعَاقَبَةً بِمِثْلِ مَا فَعَلَ بِهِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَعِينُوا عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ذِمِّيٍّ وَلَا حَرْبِيٍّ وَلَوْ كَانَ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرُ، وَلَا أَجْعَلُ لِمَنْ خَالَفَ دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الذَّرِيعَةَ إلَى قَتْلِ أَهْلِ دِينِ اللَّهِ قَالَ وَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ وَنِيَامًا وَكَيْفَمَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ إذَا بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَأَهْلُ الْبَغْيِ إنَّمَا يَحِلُّ قِتَالُهُمْ دَفْعًا لَهُمْ عَمَّا أَرَادُوا مِنْ قِتَالٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا فَارَقُوا تِلْكَ الْحَالَ حَرُمَتْ دِمَاؤُهُمْ قَالَ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَيْضًا بِأَحَدٍ يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَجَرْحَى وَأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِخِلَافِ الْحَقِّ وَهَكَذَا مَنْ وَلِيَ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوَلَّاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِخِلَافِ الْحَقِّ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مَا وَصَفْت يُضْبَطُونَ بِقُوَّةِ الْإِمَامِ وَكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ حَتَّى لَا يَتَقَدَّمُوا عَلَى خِلَافِهِ وَإِنْ رَأَوْهُ حَقًّا لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي كِفَايَتَهُمْ وَكَانُوا أَجْزَأَ فِي قِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَنَصَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَسَأَلَتْ الطَّائِفَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعُونَتَهَا عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُفَارِقَةِ لَهَا بِلَا رُجُوعٍ إلَى جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَكَانَتْ بِالْإِمَامِ وَمَنْ مَعَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُمْ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ أَرَ أَنْ يُعِينَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَذَلِكَ أَنَّ قِتَالَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْجَبَ مِنْ قِتَالِ الْأُخْرَى وَأَنَّ قِتَالَهُ مَعَ إحْدَاهُمَا كَالْأَمَانِ لِلَّتِي تُقَاتِلُ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَضْعُفُ فَذَلِكَ أَسْهَلُ فِي أَنْ يَجُوزَ مُعَاوَنَةُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ انْقَضَى حَرْبُ الْإِمَامِ الْأُخْرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ جِهَادُ الَّتِي أَعَانَ حَتَّى يَدْعُوَهَا وَيُعْذِرَ إلَيْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوعِ نَبَذَ إلَيْهَا ثُمَّ جَاهَدَهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي شُغْلِ الْحَرْبِ وَعَسْكَرِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَقَالَ: أَخْطَأْت بِهِ ظَنَنْته مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أُحْلِفَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَلَوْ قَالَ عَمَدْته أُقِيدُ مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَذَلِكَ لَوْ صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْبَغْيِ تَائِبًا مُجَاهِدًا أَهْلَ الْبَغْيِ أَوْ تَارِكًا لِلْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يُجَاهِدْ أَهْلَ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَالَ قَدْ عَرَفْته بِالْبَغْيِ وَكُنْت أَرَاهُ إنَّمَا صَارَ إلَيْنَا لِيَنَالَ مِنْ بَعْضِنَا غِرَّةً فَقَتَلْته أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَضَمِنَ دِيَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ هَذِهِ الشُّبْهَةَ أُقِيدُ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ رَجَعَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ عَنْ رَأْيِهِمْ وَأَمَّنَهُمْ السُّلْطَانُ فَقَتَلَ رَجُلًا مِنْهُمْ رَجُلٌ فَادَّعَى مَعْرِفَتَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَجَهَالَتُهُ بِأَمَانِ السُّلْطَانِ لَهُمْ وَرُجُوعُهُمْ عَنْ رَأْيِهِمْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَوَدُ وَأُلْزِمَ الدِّيَةَ بَعْدَ مَا يَحْلِفُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَامِدًا أَقِيدَ بِمَا نَالَ مِنْ دَمٍ وَجُرْحٍ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيمَا لَا يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْجِرَاحِ قَالَ وَلَوْ أَنَّ تُجَّارًا فِي عَسْكَرِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَوْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ أَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي أَيْدِيهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>