رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَصْبُورَة وَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَ قَتْلَ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْمَأْكُولِ بِوَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُذَكَّى فَتُؤْكَلَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَالْآخَرَانِ تُذَكَّى بِالرَّمْيِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا وَلَمْ أَجِدْهُ أَبَاحَ قَتْلَهَا لِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَقَتْلُهَا لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عِنْدِي مَحْظُورٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَفِي ذَلِكَ نِكَايَتُهُمْ وَتَوْهِينٌ وَغَيْظٌ قُلْنَا وَقَدْ يُغَاظُونَ بِمَا يَحِلُّ فَنَفْعَلُهُ وَبِمَا لَا يَحِلُّ فَنَتْرُكُهُ فَإِنْ قَالَ وَمِثْلُ مَا يُغَاظُونَ بِهِ فَنَتْرُكُهُ قُلْنَا قَتْلُ نِسَائِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ فَهُمْ لَوْ أَدْرَكُونَا وَهُمْ فِي أَيْدِينَا لَمْ نَقْتُلْهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ إلَى جَنْبِنَا رُهْبَانٌ يَغِيظُهُمْ قَتْلُهُمْ لَمْ نَقْتُلْهُمْ وَلَكِنْ إنْ قَاتَلُوا فُرْسَانًا لَمْ نَرَ بَأْسًا إذَا كُنَّا نَجِدُ السَّبِيلَ إلَى قَتْلِهِمْ بِأَرْجَالِهِمْ أَنْ نَعْقِرَ بِهِمْ كَمَا نَرْمِيهِمْ بِالْمَجَانِيقِ.
وَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ غَيْرُهُمْ وَقَدْ عَقَرَ حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّاهِبِ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَانْعَكَسَتْ بِهِ فَرَسُهُ فَسَقَطَ عَنْهَا فَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ فَرَآهُ ابْنُ شَعُوبٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ يَعْدُو كَأَنَّهُ سَبْعٌ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ أَبَا سُفْيَانَ مِنْ تَحْتِهِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ شِعْرًا:
فَلَوْ شِئْت نَجَتْنِي كُمَيْتَ رَجِيلَةٍ … وَلَمْ أَحْمِلْ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ
وَمَا زَالَ مَهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ … لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ
أُقَاتِلُهُمْ طُرًّا وَأَدْعُو لِغَالِبٍ … وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقْرِ بِهِمْ وَعَقْرِ بَهَائِمِهِمْ؟ قِيلَ الْعَقْرُ بِهِمْ يَجْمَعُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا دَفْعٌ عَنْ الْعَاقِرِ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ أَدَاةٌ عَلَيْهِ يُقْبِلُ بِقُوَّتِهِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ وَالْآخَرُ يَصِلُ بِهِ إلَى قَتْلِ الْمُشْرِكِ وَالدَّوَابِّ تُوجِفُ أَوْ يَخَافُ طَلَبَ الْعَدُوِّ لَهَا إذَا قُتِلَتْ لَيْسَتْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لَا أَنَّ قَتْلَهَا مَنْعُ الْعَدُوِّ لِلطَّلَبِ وَلَا أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَى مَا لَمْ يَكُنْ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ قَتْلِهَا وَإِذَا أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُمْ قَتَلُوهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ وَلَمْ يُجَاوِزُوا ذَلِكَ إلَى أَنْ يُمَثِّلُوا بِقَطْعِ يَدٍ وَلَا رِجْلٍ وَلَا عُضْوٍ وَلَا مِفْصَلٍ وَلَا بَقَرِ بَطْنٍ وَلَا تَحْرِيقٍ وَلَا تَغْرِيقٍ وَلَا شَيْءٍ يَعْدُو مَا وَصَفْت لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ» وَقَتْلِ مَنْ قُتِلَ كَمَا وَصَفْت فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ قَطَعَ أَيْدِي الَّذِينَ اسْتَاقُوا لِقَاحَهُ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَرَجُلًا رَوَيَا هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ رَوَيَا فِيهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ «أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ كَانَ قَدْ أَصَابَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرِيَّةً فَقَالَ إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبَّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ فَاجْعَلُوهُ بَيْنَ حُزْمَتَيْنِ مِنْ حَطَبٍ ثُمَّ أَحْرَقُوهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ فَاقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ يُنْكِرُ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي أَصْحَابِ اللِّقَاحِ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ «وَاَللَّهِ مَا سَمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَيْنًا وَلَا زَادَ أَهْلَ اللِّقَاحِ عَلَى قَطْعِ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي الْأُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يَغْصِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يَصِيرُونَ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إنَّ الْحُدُودَ تُقَامُ عَلَيْهِمْ إذَا صَارُوا إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَمْنَعُ الدَّارُ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُؤَدُّونَ كُلَّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ لَا تَضَعُ الدَّارُ عَنْهُمْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يَعْرِفُوا الْأَحْكَامَ وَأَصَابَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا بِجِرَاحٍ أَوْ قَتْلٍ دَرَأْنَا عَنْهُمْ الْحَدَّ بِالْجَهَالَةِ وَأَلْزَمْنَاهُمْ الدِّيَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ كُلَّ مَا أَصَابَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَكَذَلِكَ لَوْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِامْرَأَةٍ وَهُوَ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute