للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْلَمُ أَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ دَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ بِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَقُمْ وَتُطْرَحُ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ وَيَلْزَمُهُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً أُسِرَتْ أَوْ اُسْتُؤْمِنَتْ مِمَّنْ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا حُدَّثْ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحِ الْمُشْرِكِينَ فَسَخْنَا النِّكَاحَ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ وَدَرَأْنَا عَنْهُ الْحَدَّ وَجَعَلْنَا لَهَا الْمَهْرَ وَلَوْ سَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ شَيْئًا دَرَأْنَا عَنْهُ الْقَطْعَ وَأَلْزَمْنَاهُ الْغَرَامَةَ وَلَوْ أَرْبَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ رَدَدْنَا الرِّبَا بَيْنَهُمْ لِأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَقَالَ فِي الْقَوْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصِبُونَ الْمَجَانِيقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ فَيَقْتُلُ بَعْضَهُمْ فَهَذَا قَتْلُ خَطَأٍ فَدِيَةُ الْمَقْتُولِينَ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ قَدْرَ حِصَّةِ الْمَقْتُولِينَ كَأَنَّهُ جَرَّ الْمَنْجَنِيقَ عَشَرَةٌ فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَى خَمْسَةٍ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُمْ فَأَنْصَافُ دِيَاتِهِمْ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا بِفِعْلِهِمْ وَفِعْلِ غَيْرِهِمْ وَلَا يُؤَدُّونَ حِصَّتَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمْ فَهُمْ قَتَلُوا أَنْفُسَهُمْ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ رَجَعَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَجُرَّهُ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَنْجَنِيقِ أَوْ بَعِيدًا مُعِينًا لِأَهْلِ الْمَنْجَنِيقِ بِغَيْرِ الْجَرِّ أَوْ غَيْرِ مُعِينٍ لَهُمْ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِ الْجَارِّينَ كُلِّهِمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يُمْسِكُ لَهُمْ مِنْ الْحِبَالِ الَّتِي يَجُرُّونَهَا بِشَيْءٍ وَلَا يَجُرُّ مَعَهُمْ فِي إمْسَاكِهِ لَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَا عَاقِلَتَهُ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَمْ نُدَّ إلَّا بِفِعْلِ الْقَتْلِ فَأَمَّا بِفِعْلِ الصَّلَاحِ فَلَا وَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ الْحَجَرُ فَقَتَلَهُمْ كُلَّهُمْ أَوْ سَقَطَ الْمَنْجَنِيقُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَرِّهِمْ فَقَتَلَ كُلَّهُمْ وَهُمْ عَشَرَةٌ وُدُوا كُلُّهُمْ وَرُفِعَ عَنْ عَوَاقِلِ مَنْ يَدِيهِمْ عُشْرُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ قُتِلَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ تِسْعَةٍ مَعَهُ فَيُرْفَعُ عَنْهُ حِصَّةُ فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ لَهُ حِصَّةُ فِعْلِ غَيْرِهِ ثُمَّ هَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ بِعَرَّادَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا أَوْ ضَرَبَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَتْ الرَّمْيَةُ عَلَيْهِ كَأَنَّهَا أَصَابَتْ جِدَارًا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِ أَوْ ضَرَبَ بِسَيْفٍ شَيْئًا فَرَجَعَ عَلَيْهِ السَّيْفُ فَلَا دِيَةَ لَهُ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَلَوْ رَمَى فِي بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا مُسْتَأْمَنًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ كَافِرًا أَسْلَمَ فَلَمْ يَقْصِدْ قَصْدَهُ بِالرَّمْيَةِ وَلَمْ يَرَهُ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَا دِيَةَ لَهُ وَإِنْ رَآهُ وَعَرَفَ مَكَانَهُ وَرَمَى وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الرَّمْيِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدُهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا رَمَاهُ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا خَطَأٍ وَعَمْدٍ قَتَلَهُ فَإِنْ تَتَرَّسَ بِهِ مُشْرِكٌ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَقَدْ الْتَحَمَ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُنَجِّيهِ إلَّا ضَرْبُهُ الْمُسْلِمَ فَضَرَبَهُ يُرِيدُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ فَإِنْ أَصَابَهُ دَرَأْنَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَجَعَلْنَا عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ صَفِّهِمْ فَأَمَّا إذَا انْفَرَجَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ بَيْنَ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَذَلِكَ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْمُشْرِكُ فَإِنْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا وَقَالَ ظَنَنْته مُشْرِكًا فَوَجَدْته مُسْلِمًا فَهَذَا مِنْ الْخَطَأِ وَفِيهِ الْعَقْلُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ أُحْلِفَ لَهُمْ مَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ أَبْطَلْت دِيَةَ مُسْلِمٍ أُصِيبَ بِبِلَادِ الْمُشْرِكِينَ بِرَمْيٍ أَوْ غَارَةٍ لَا يُعْمَدُ فِيهَا بِقَتْلٍ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} إلَى قَوْلِهِ {مُتَتَابِعَيْنِ} فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً وَالذِّمِّيِّ يُقْتَلُ خَطَأً الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ مَقْتُولَانِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ الْمَمْنُوعَةِ لَا بِلَادِ الْحَرْبِ الْمُبَاحَةِ وَذَكَرَ مِنْ حُكْمِهِمَا حُكْمَ الْمُؤْمِنِ مِنْ عَدُوٍّ لَنَا يُقْتَلُ فَجَعَلَ فِيهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مُسْلِمِي الْعَرَبِ هُمْ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ مُسْلِمُو الْعَجَمِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ دِيَةٌ فِي مُسْلِمٍ خَرَجَ إلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُشْرِكِينَ هُمْ عَدُوٌّ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ لَلَزِمَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمٍ مُشْرِكِينَ فَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ كَانَتْ فِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ وَهَذَا خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَا قُلْنَا وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَتْلَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ الْمُسْلِمُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مَعْمُودٍ بِالْقَتْلِ فَيَكُونُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>