للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ مِنْ أَيِّ الطَّعَامِ كَانَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً أَوْ تَمْرًا وَكِسْوَتُهُمْ كَذَلِكَ مِمَّا يَعْرِفُ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ صُوفٌ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ الْأَغْلَبُ بِذَلِكَ الْبَلَدِ وَكَانَ لَا يُسَمِّي ضَيِّقًا بِمَوْضِعِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْجَوَارِي إذَا كَانَتْ لَهُنَّ فَرَاهَةٌ وَجَمَالٌ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُنَّ يُكْسَيْنَ أَحْسَنَ مِنْ كِسْوَةِ اللَّاتِي دُونَهُنَّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْمَمْلُوكِينَ " أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَوَابِ فَسَأَلَ السَّائِلُ عَنْ مَمَالِيكِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَأْكُلُ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ أَدْنَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَيَلْبَسُ صُوفًا أَوْ أَدْنَى مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ فَقَالَ " أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ " وَكَانَ أَكْثَرُ حَالِ النَّاسِ فِيمَا مَضَى ضَيِّقَةً وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ اتَّسَعَتْ حَالُهُ مُقْتَصِدًا فَهَذَا يَسْتَقِيمُ قَالَ وَالسَّائِلُونَ عَرَبٌ وَلُبُوسُ عَامَّتِهِمْ وَطَعَامُهُمْ خَشِنٌ وَمَعَاشُهُمْ وَمَعَاشُ رَقِيقِهِمْ مُتَقَارِبٌ فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَكُنْ حَالُهُ هَكَذَا وَخَالَفَ مَعَاشَ السَّلَفِ وَالْعَرَبِ وَأَكَلَ رَقِيقَ الطَّعَامِ وَلَبِسَ جَيِّدَ الثِّيَابِ فَلَوْ آسَى رَقِيقَهُ كَانَ أَكْرَمَ وَأَحْسَنَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهِ فِي بَلَدِهِ الَّذِي بِهِ يَكُونُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ لُبْسُهُ الْوَشْيَ وَالْخَزَّ وَالْمَرْوِيَّ وَالْقَصَبَ وَطُعْمَتُهُ النَّقِيَّ وَأَلْوَانَ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَالطَّيْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَ مَمَالِيكَهُ وَيَكْسُوَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ لِلْمَمَالِيكِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَفَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ فَلْيَدْعُهُ فَلْيُجْلِسْهُ مَعَهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً فَلْيُنَاوِلْهُ إيَّاهَا أَوْ يُعْطِهِ إيَّاهَا أَوْ كَلِمَةً هَذَا مَعْنَاهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً» كَانَ هَذَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَوْلَاهُمَا بِمَعْنَاهَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ إجْلَاسَهُ مَعَهُ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِلَّا فَلْيُرَوِّغْ لَهُ لُقْمَةً» لِأَنَّ إجْلَاسَهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَنْ يُرَوِّغَ لَهُ لُقْمَةً دُونَ أَنْ يُجْلِسَهُ مَعَهُ أَوْ يَكُونَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَاوِلَهُ أَوْ يُجْلِسَهُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرَ اخْتِيَارِ غَيْرِ الْحَتْمِ وَتَكُونَ لَهُ نَفَقَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُحَبُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ تَبَايُنِ طَعَامِ الْمَمْلُوكِ وَطَعَامِ سَيِّدِهِ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهُ طَيِّبَ الطَّعَامِ لَا أَدْنَى مَا يَكْفِيه فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدُ أَدْنَى مَا يَكْفِيه أَطْعَمَهُ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ وَالْكِسْوَةُ هَكَذَا قَالَ وَالْمَمْلُوكُ الَّذِي يَلِي طَعَامَ الرَّجُلِ يُخَالِفُ عِنْدَنَا الْمَمْلُوكَ الَّذِي لَا يَلِي طَعَامَهُ وَيَنْبَغِي لِمَالِكِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي يَلِي طَعَامَهُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مَا يَصْنَعُ بِهِ أَنْ يُنَاوِلَهُ لُقْمَةً يَأْكُلُهَا مِمَّا يَقْرَبُ إلَيْهِ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ لَا يَكُونُ يَرَى طَعَامًا قَدْ وَلِيَ الْغَنَاءَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَنَالُ مِنْهُ شَيْئًا يَرُدُّ بِهِ شَهْوَتَهُ وَأَقَلُّ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهْوَتُهُ لُقْمَةٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا لِلْمَمْلُوكِ الَّذِي يَلِي الطَّعَامَ دُونَ غَيْرِهِ؟ قِيلَ لِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا لِأَنَّ هَذَا وَلِيَ الطَّعَامَ وَرَآهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَمْ يَلِهِ وَلَمْ يَرَهُ وَالسُّنَّةُ الَّتِي خَصَّتْ هَذَا مِنْ الْمَمَالِيكِ دُونَ غَيْرِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُوَافِقُ بَعْضَ مَعْنَى هَذَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} الْآيَةُ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ الْحَاضِرُونَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ الْقِسْمَةِ مَنْ مِثْلُهُمْ فِي الْقَرَابَةِ وَالْيُتْمِ وَالْمَسْكَنَةِ مِمَّنْ لَمْ يَحْضُرْ وَلِهَذَا أَشْبَاهٌ وَهِيَ أَنْ تُضِيفَ مَنْ جَاءَك وَلَا تُضِيفَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ قَصْدُك وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْغَنَائِمِ فَهَذَا أَوْسَعُ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعْطَوْا مَا طَابَ بِهِ نَفْسُ الْمُعْطِي وَلَا يُوَقِّتُ وَلَا يُحْرَمُونَ.

(قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>