عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي تَبْيِينٍ عَنْ اللَّهِ يَمْضِي مَعْنَى مَا أَرَادَ بِمَعْرِفَةِ الْوَحْيِ الْمَتْلُوِّ وَالرِّسَالَةِ إلَيْهِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا سُنَّتُهُ لِمَا يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ (وَقَالَ غَيْرُهُ) سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا تُبَيِّنُ مِمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُبِينِ عَنْ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ بِحَمْلِهِ خَاصًّا وَعَامًّا، وَالْآخَرُ مَا أَلْهَمَهُ اللَّهُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَإِلْهَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُحْكَى عَنْ إبْرَاهِيمَ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ لِقَوْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وَمَعْرِفَتُهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ أَمْرٌ أُمِرَ بِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} إلَى قَوْلِهِ {فِي الْقُرْآنِ} (وَقَالَ غَيْرُهُمْ) سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ وَبَيَانٌ عَنْ وَحْيٍ وَأَمْرٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِمَا أَلْهَمَهُ مِنْ حِكْمَتِهِ وَخَصَّهُ بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَفَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ (قَالَ): وَلَيْسَ تَعْدُو السُّنَنُ كُلُّهَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْت بِاخْتِلَافِ مَنْ حَكَيْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَيَّهَا كَانَ فَقَدْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فِيهِ، وَفِي انْتِظَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَحْيَ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَتَّى جَاءَهُ فَلَاعَنَ ثُمَّ سَنَّ الْفُرْقَةَ وَسَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَرُدَّ الصَّدَاقُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ طَلَبَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ لَا تَعْدُو وَاحِدًا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا تُبَيِّنُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ إمَّا بِرِسَالَةٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ إلْهَامٍ لَهُ وَإِمَّا بِأَمْرٍ جَعَلَهُ اللَّهُ إلَيْهِ لِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ مِنْ دِينِهِ وَبَيَانُ الْأُمُورِ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يُقِيمَ حَدًّا بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُشْبِهُ الِاعْتِرَافَ مِنْ الْمُقَامِ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ بَيِّنَةً وَلَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى أَحَدٍ فِي حَدٍّ وَلَا حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَذِبِهِ وَلَا يُعْطِي أَحَدًا بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِهِ حَتَّى تَكُونَ الدَّلَالَةُ مِنْ الظَّاهِرِ فِي الْعَامِّ لَا مِنْ الْخَاصِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فِي أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ دَلَالَةً وَلَا يَقْضِيَ إلَّا بِظَاهِرٍ أَبَدًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قُلْنَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ إنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ» فَحَكَمَ عَلَى الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ حُكْمًا وَاحِدًا أَنْ أَخْرَجَهُمَا مِنْ الْحَدِّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَج فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» فَأَخْبَرَ أَنْ صَدَقَ الزَّوْجُ عَلَى الْمُلْتَعِنَةِ بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ بِصِفَتَيْنِ فَجَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى صِدْقِهِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهَا الدَّلَالَةَ وَأَنْفُذ عَلَيْهَا ظَاهِرَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ادِّرَاء الْحَدِّ وَإِعْطَائِهَا الصَّدَاقَ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» وَفِي مِثْلِ مَعْنَى هَذَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى مَا يَعْلَمَانِ، وَمِنْ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلَى قَوْلِهِ {الْكَاذِبُونَ} فَحَقَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِمَاءَهُمْ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِسْلَامِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَ بِدِينِهِمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} وَهَذَا يُوجِبُ عَلَى الْحُكَّامِ مَا وَصَفْت مِنْ تَرْكِ الدَّلَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute