{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} - إلَى قَوْلِهِ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أُحِلَّ لَهُ فَذَكَرَ أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي آتَى أُجُورَهُنَّ وَذَكَرَ بَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالِهِ وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ قَالَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُحِلَّ لَهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِزَوْجٍ يَوْمَ أُحِلَّ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَلَا بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَلَا بَنَاتِ خَالِهِ وَلَا بَنَاتِ خَالَاتِهِ امْرَأَةٌ وَكَانَ عِنْدَهُ عَدَدُ نِسْوَةٍ وَعَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ مِنْ الْعَدَدِ مَا حَظَرَ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ لَمْ يأتهب بِغَيْرِ مَهْرٍ مَا حَظَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ جَعَلَ لَهُ فِي اللَّاتِي يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لَهُ أَنْ يأتهب وَيَتْرُكَ فَقَالَ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} إلَى " عَلَيْك ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَمَنْ اتَّهَبَ مِنْهُنَّ فَهِيَ زَوْجَةٌ لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يأتهب فَلَيْسَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ زَوْجَةٍ وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَقَالَ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ لَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} فَأَثَابَهُنَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُهُ {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} مِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنِّ شَرَائِعَ وَاخْتِلَافِهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَفِي فِعْلِهِ فَقَوْلُهُ {أُمَّهَاتُهُمْ} يَعْنِي فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ لَوْ كُنَّ لَهُنَّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ أَوْ أَرْضَعْنَهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَه وَهُوَ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَوَّجَهَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَوَّجَ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ عُثْمَانَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» وَأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّ طَلْحَةَ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ الْأُخْرَى وَهُمَا أُخْتَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ ابْنَةَ جَحْشٍ أُخْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ وَلَا يَرِثُهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلَا يَرِثْنَهُمْ كَمَا يَرِثُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَيَرِثْنَهُمْ وَيُشْبِهْنَ أَنْ يَكُنَّ أُمَّهَاتٍ لِعِظَمِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ مَعَ تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ تَرُبُّ أَمْرَهُمْ أُمَّنَا وَأُمَّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَتَوَلَّى أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمَّ الْعِيَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تُرَبُّ أَمْرَ الْعِيَالِ وَقَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute