الَّذِي حَلَفَ، وَلَا يَبْرَأُ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ: وَتَحْلِفُ عَاقِلَتُهُ، وَلَا يَحْلِفُ مَعَهَا لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَا يَعْقِلُ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَهُمْ شَيْئًا. وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ وَقَفْته أَيْضًا فَقُلْت قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُك أَبْرَأَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ مِنْ أَرْشِهَا فَإِنْ كُنْت هَذَا تُرِيدُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهَا، وَإِنْ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ عَلَى إبْرَاءِ الْعَاقِلَةِ حَلَفُوا وَبَرِئُوا، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لَزِمَهُمْ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهَدْ لَهُمْ بِالْبَرَاءَةِ.
وَلَوْ بَاعَهُ عَبْدًا مَعِيبًا فَأَقَامَ شَاهِدًا أَنَّهُ تَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ أَوْ شَاهِدًا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ مِنْ الْعَيْبِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَبَرِيءَ. وَلَا احْتَاجَ مَعَ هَذَا إلَى وَقْفِهِ كَمَا أَحْتَاجُ إلَى وَقْفِهِ فِي الْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِهِ عَيْبٌ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يَكُونُ لَهُ. وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَلْزَمُ فِي الْعَيْبِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَوْ أَخْذِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ بَرِيءَ، وَهَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا الْمَشْهُودُ لَهُ خَاصَّةً فَيَحْلِفُ فِيهِ وَيَبْرَأُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِحَقٍّ فَأَتَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ شُهُودُهُ عَلَى فُلَانٍ بَاطِلٌ أُحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَأُبْرِئَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ. وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِمَالٍ فَيَأْتِيَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ فَيَشْهَدَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَبْرَأَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ
(قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ شَاهِدًا فِي حَيَاتِهِ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى فُلَانٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ. أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا فَأَقَامَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ شَاهِدًا بِأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ حَقًّا فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي كُلِّ مَا مَلَكُوا عَنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى بِالْمَوَارِيثِ إلَى الْأَحْيَاءِ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ مَا كَانَ لِلْأَحْيَاءِ يَمْلِكُونَ مَا مَلَّكَهُمْ بِقَدْرِ مَا فُرِضَ لَهُمْ فَهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَ مَنْ وَرِثُوهُ بِقَدْرِ مَا وَرِثُوا (قَالَ): فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ كَيْفَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَشَهِدَ شَاهِدُهُ بِحَقٍّ فَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ بِالْعِيَانِ وَالسَّمَاعِ وَالرُّؤْيَةِ فَإِذَا سَمِعَ مِمَّنْ يُصَدَّقُ أَنَّ لِأَبِيهِ حَقًّا عَلَى فُلَانٍ أَوْ عَلِمَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَكَانَ كَأَبِيهِ لَوْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ عَلَى حَقٍّ كَانَ عَنْهُ غَائِبًا أَوْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ لَهُ دَابَّةً غَائِبَةً أَوْ عَبْدًا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَأَخَذَ حَقَّهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا عَلَى مَا عَايَنَ أَوْ سَمِعَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ بِعَيْنِهِ ضَاقَ هَذَا عَلَيْهِ (قَالَ): وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَحْلِفُونَ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى الْحَقِّ الْغَائِبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ الرُّؤْيَةِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْخَبَرِ (قَالَ): وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ شُهِدَ لَهُ بِحَقٍّ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَلَوْ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى مَا عَايَنَ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْحَقَّ بِشَاهِدٍ إلَّا فِيمَا عَايَنَ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ وَرَّثَهُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ ضَاقَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَايِنْ أَبَاهُ وَمَا تَرَكَ وَلَا عَدَّدَ وَرَثَتَهُ، وَلَا هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ وَصَايَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَالِغًا، وَمَاتَ أَبُوهُ غَائِبًا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى تَرِكَةٍ لَهُ غَائِبَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ يَمْلِكُهَا، وَلَا يَدْرِي لَعَلَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا فَإِنْ مَاتَ مَيِّتٌ، وَتَرَكَ ابْنًا بَالِغًا، وَابْنًا صَغِيرًا، وَزَوْجَةً يَحْلِفُ الْبَالِغُ، وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَذَلِكَ نِصْفُ الْمَالِ بَعْدَ ثُمُنِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ أَخَذَتْ الثُّمُنَ وَوَقَفَتْ لِلصَّبِيِّ حَقَّهُ مِنْ الْمَالِ وَذَلِكَ النِّصْفُ بَعْدَ الثُّمُنِ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَبْطُلَ حَقُّهُ أَوْ يَمُوتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ فِيمَا وَرِثُوا عَنْهُ مَقَامَهُ فَيَحْلِفُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْوَرَثَةُ بَالِغِينَ فِيهِمْ غُيَّبٌ أَخَذَ الْحَاضِرُ الْحَالِفُ حَقَّهُ، وَوُقِفَتْ حُقُوقُ الْغُيَّبِ حَتَّى يَحْضُرُوا فَيَحْلِفُوا، وَيَسْتَحِقُّوا أَوْ يَأْبَوْا فَتَبْطُلَ حُقُوقُهُمْ أَوْ يَمُوتُوا قَبْلَ ذَلِكَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُمْ فِي حُقُوقِهِمْ مَقَامَهُمْ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ أَخْرَسُ، وَكَانَ يَفْقَهُ الْإِشَارَةَ بِالْيَمِينِ أُشِيرَ إلَيْهِ بِهَا حَتَّى يُفْهَمَ عَنْهُ أَنَّهُ حَلَفَ ثُمَّ يُعْطَى حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ، وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا أَوْ ذَاهِبَ الْعَقْلِ وُقِفَ لَهُ حَقُّهُ حَتَّى يَعْقِلَ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَتَقُومَ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute