للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَحْلِفُونَ، وَيَسْتَحِقُّونَ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَتْرُكَ وَارِثَيْنِ فَيَحْلِفَ أَحَدُهُمَا فَيَسْتَحِقَّ الْآخَرُ حَقَّهُ بِيَمِينِ أَخِيهِ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِيمَا وَرِثَ عَنْهُ، وَالْحَقُّ وَإِنْ كَانَ عَنْ الْمَيِّتِ وَرِثَ فَلَمْ يَحِقَّ إلَّا لِلْأَحْيَاءِ بِسَبَبِ الْمَيِّتِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ الْأَحْيَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مَقَامَ الَّذِي لَهُ أَصْلُ الْحَقِّ فِي نِصْفِ مَالِهِ فَيَسْتَحِقَّ بِيَمِينِ غَيْرِهِ النِّصْفَ الْآخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا بِهَا، وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَلْفَ، وَهِيَ الَّتِي تُمْلَكُ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى مَا يَمْلِكُ غَيْرُهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَمْ يَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ شَيْئًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَصَاحِبُ الْحَقِّ مَنْ مَلَكَهُ كُلَّهُ لَا مَنْ مَلَكَ بَعْضَهُ، وَبَقِيَ الْبَعْضُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْوَرَثَةِ، وَصِيٌّ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ لَمْ يَحْلِفْ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ، وَتُوقَفُ حُقُوقُهُمْ فَكُلَّمَا بَلَغَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ حَلَفَ، وَأَخَذَ حَقَّهُ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَقَدْ أَقَامَ فِي حَيَاتِهِ شَاهِدًا لَهُ بِحَقٍّ عَلَى رَجُلٍ أَوْ أَقَامَهُ، وَصِيُّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ أَحَدُ وَرَثَتِهِ، وَلَهُ غُرَمَاءُ فَقِيلَ لِوَرَثَتِهِ احْلِفُوا، وَاسْتَحِقُّوا فَأَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا بَطَلَ حَقُّهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَحْلِفُوا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَضَى لِمَنْ أَقَامَ شَاهِدًا بِحَقٍّ لَهُ عَلَى الْآخَرِ بِيَمِينِهِ، وَأَخَذَ حَقَّهُ فَإِنَّمَا أَعْطَى بِالْيَمِينِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ أَنْ يُقَالَ لَقَدْ شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ، وَإِنَّ هَذَا الْحَقَّ لِي عَلَى فُلَانٍ، وَمَا بَرِيءَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْت لِلْوَارِثِ الْيَمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَلَ مِلْكَ الْمَيِّتِ إلَى الْوَارِثِ فَجَعَلَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَلَا يُخَالِفُهُ بِقَدْرِ مَا فَرَضَ لَهُ وَجَعَلَهُ مَالِكًا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَلَوْ وَرِثَ عَبْدًا زَمِنًا أَلْزَمْتُهُ مِلْكَهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ مِلْكَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ هُوَ مِنْ مِلْكِهِ قَالَ، وَلَيْسَ الْغَرِيمُ وَلَا الْمُوصَى لَهُ مِنْ مَعْنَى الْوَارِثِ بِسَبِيلٍ لَا هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ أَصْلُ الْحَقِّ فَيَكُونُونَ الْمَقْضِيَّ لَهُمْ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَلَا الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِيرَاثِ فَيَكُونُونَ فِي مَعْنَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَالْغُرَمَاءُ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، وَإِنْ اسْتَحَقُّوا مَالَ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهِمْ مَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ مِنْ نَفَقَةِ عَبِيدِهِ الزَّمْنَى قَالَ، وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْحَقِّ فَجَاءَ وَارِثُهُ بِشَاهِدٍ، وَقَالَ أَنَا أَحْلِفُ، وَقَالَ غَرِيمُ الْمَيِّتِ الْمَالُ لِي دُونَ الْوَارِثِ، وَأَنَا أَحْلِفُ حَلَفَ الْوَارِثُ، وَأَخَذَ الْغَرِيمُ الْمَالَ دُونَهُ كَمَا كَانَ أَخَذَ لَهُ دُونَ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَالِ إذَا مَلَكَهُ الْوَارِثُ عَنْ الْمَوْرُوثِ فَالْغَرِيمُ أَحَقُّ بِهِ كَمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَاَلَّذِي يَحِقُّ بِهِ وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَغَيْرِهَا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَفِيمَا وَصَفْت إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ فَرْقِ مَا بَيْنَ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْوَارِثِ وَصَاحِبِ أَصْلِ الْحَقِّ قَالَ وَمِمَّا يُثْبِتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا حَقُّهُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ جُمْلَةً لَا فِي مَالِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ سِوَى مَالِهِ الَّذِي يُقَالُ لِلْغَرِيمِ احْلِفْ عَلَيْهِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ إلَّا مَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ فَجَاءَ غَرِيمٌ غَيْرُهُ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ الْآخَرُ، وَأَخَذَ جَمِيعَ الدَّيْنِ فَقَدْ أَعْطَى بِيَمِينِهِ الْحَقَّ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ النِّصْفُ، وَلَيْسَ هَكَذَا الرَّجُلَانِ يَكُونُ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا إذَا نَكَلَ بَطَلَ حَقُّهُ، وَأَخَذَ الْحَالِفُ حَقَّهُ.

قَالَ وَلَوْ أَقَامَ وَرَثَةُ رَجُلٍ شَاهِدًا عَلَى حَقٍّ لَهُ، وَلَهُ غُرَمَاءُ، وَوَصَايَا قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: احْلِفُوا، وَاسْتَحِقُّوا فَإِذَا فَعَلُوا فَالْغُرَمَاءُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُمْ وَأَهْلُ الْوَصَايَا يُشْرِكُونَهُمْ فِي مَالِهِ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَحْلِفُوا أَبْطَلْنَا حِصَّةَ أَهْلِ الْوَصَايَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>