يَحْلِفَ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى أَنْ يُثْبِتَ شَهَادَةَ شَاهِدِهِ وَلَيْسَ الْيَمِينُ عَلَى هَذَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمَالِ بِمِلْكٍ.
وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا، أَوْصَى إلَيْهِ، أَوْ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ وَلَا بِالْوَكَالَةِ شَيْئًا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا، أَوْدَعَهُ دَارِهِ، أَوْ أَرْضَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ، وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ بِالزِّنَا لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالْحَدِّ شَيْئًا إنَّمَا الْحَدُّ أَلَمٌ عَلَى الْمَحْدُودِ لَا شَيْءَ يَمْلِكُهُ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ جَرَحَهُ جِرَاحَةً عَمْدًا فِي مِثْلِهَا قَوَدٌ، أَوْ قَتَلَ ابْنًا لَهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَ شَاهِدِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهَا الْمَالُ دُونَ التَّخْيِيرِ فِي الْمَالِ، أَوْ الْقِصَاصِ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ هُوَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهَا فَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِشَيْءٍ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْمَالُ يَمْلِكُهُ؟ قِيلَ: أَجَلْ وَلَكِنْ لَيْسَ يَمْلِكُهُ إلَّا بِأَنْ يَمْلِكَ الْقِصَاصَ مَعَهُ لَا أَنَّ الْمَالَ إذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ دُونَ الْقِصَاصِ وَلَا الْقِصَاصَ دُونَ الْمَالِ فَلَمَّا كَانَ إنَّمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ، وَكَانَ الْمَالُ لَا يُمْلَكُ دُونَ الْقِصَاصِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْقِصَاصِ وَهُوَ لَا يُمْلَكُ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ مَتَاعًا مِنْ حِرْزٍ يَسْوَى أَكْثَرَ مِمَّا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ كَانَ مُخَالِفًا لَأَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ فِيمَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ فَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَغْرَمُ السَّارِقُ مَا ذَهَبَ لَهُ بِهِ وَلَا يُقْطَعُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا، وَالْقِصَاصِ؟ قِيلَ لَهُ: فِي السَّرِقَةِ شَيْئَانِ. أَحَدُهُمَا: شَيْءٌ يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَالْآخَرُ شَيْءٌ يَجِبُ لِلْآدَمِيِّينَ وَهُوَ الْغُرْمُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ صَاحِبِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ: قَدْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ وَلَا يَسْقُطُ الْغُرْمُ وَيَسْقُطُ الْغُرْمُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ. فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ؟ قِيلَ: يَسْرِقُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَخْتَلِسُ وَيَنْتَهِبُ فَيَكُونُ بِهَذَا سَارِقًا فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ وَيَكُونُ لَهُ شُبْهَةٌ فِي السَّرِقَةِ فَلَا يُقْطَعُ وَيَغْرَمُ، وَيَسْرِقُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِمَا الَّذِي يَسْكُنَانِهِ فَلَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَيَغْرَمُ فَإِنْ قَالَ وَأَيْنَ يَسْقُطُ الْغُرْمُ عَنْهُ وَيُقْطَعُ؟ قِيلَ يَسْرِقُ السَّرِقَةَ فَيَهَبُهَا لَهُ الْمَسْرُوقُ، أَوْ يُبَرِّئُهُ مِنْ ضَمَانِهَا فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ غُرْمٌ وَيُقْطَعُ فَلَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ عَنْهُ إنْ سَقَطَ عَنْهُ غُرْمُ مَا سَرَقَ وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ حُكْمَ الْغُرْمِ غَيْرُ حُكْمِ الْقَطْعِ وَأَنَّ عَلَى السَّارِقِ حُكْمَيْنِ قَدْ يَزُولُ أَحَدُهُمَا وَيَثْبُتُ الْآخَرُ وَلَيْسَ هَكَذَا حُكْمُ الْجِرَاحِ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا أَبَدًا مَالٌ إلَّا وَمَعَهُ قِصَاصٌ، أَوْ تَخْيِيرٌ بَيْنَ الْقَوَدِ، وَالْعَقْلِ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ سَقَطَ الْآخَرُ وَإِنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ، ثُمَّ عَفَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ وَإِنْ اخْتَارَ الْعَقْلَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِصَاصٌ فَهَذَانِ حُكْمَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ مِنْ صَاحِبِهِ فَلَا يُشْبِهَانِ الْحُكْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا بَدَلًا مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَبْطُلُ أَحَدُهُمَا إنْ بَطَلَ صَاحِبُهُ وَيُشْبِهُ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّرِقَةِ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ بِشَاهِدٍ عَلَى أَنَّهُ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كُنْت غَصَبْت فُلَانًا هَذَا الْعَبْدَ وَيَشْهَدُ أَنَّهُ غَصَبَهُ فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْعَبْدِ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّهُ حَنِثَ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ آخَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ إنَّمَا جَازَ عَلَى الْغَصْبِ دُونَ الطَّلَاقِ وَالطَّلَاقُ لَيْسَ بِالْغَصْبِ إنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يَحْلِفُ بِهَا وَحُكْمُ الْأَيْمَانِ غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الطَّلَاقِ غَيْرُ حُكْمِ الْأَمْوَالِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهَا بِحَالٍ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ عَبْدًا مُسْلِمًا، أَوْ يَقْتُلَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا، أَوْ يَقْتُلَ ابْنَ نَفْسِهِ، أَوْ تَكُونَ جِرَاحَةً لَا قَوَدَ فِيهَا مِثْلَ الْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ قُبِلَتْ فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ فَقُضِيَ لَهُ بِهِ كُلِّهِ مَا كَانَ عَمْدًا مِنْهُ فَفِي مَالِ الْجَانِي وَمَا كَانَ خَطَأً فَعَلَى الْعَاقِلَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ رَجُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute