رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ، فَأَصَابَ بَعْضَ جَسَدِهِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، فَأَصَابَ آخَرَ فَقَتَلَهُ، أَوْ جَرَحَهُ
فَالرَّمْيَةُ الْأُولَى عَمْدٌ، وَالْمُصَابُ الثَّانِي خَطَأٌ فَإِنْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى لَا قِصَاصَ فِيهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَيَحْلِفَانِ مَعَ شَاهِدِهِمَا وَيُقْضَى فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَرْشِ الْأُولَى فِي مَالِ الرَّامِي وَالثَّانِيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ الْأُولَى يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ كَانَتْ لِأَوْلِيَاءِ الدَّمِ الْقَسَامَةُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ، ثُمَّ الْقَوْلُ فِي الرَّمْيَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ.
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي هَذَا، وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَطَإِ لَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا بِثُبُوتِهِ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً فِيهَا عَمْدٌ فِيهِ قِصَاصٌ لَمْ يَجُزْ فِي الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ فِيهِ شَيْئًا.
، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّاهِدَ يَبْطُلُ لِصَاحِبِ الْعَمْدِ إلَّا أَنْ يُقَسِّمَ مَعَهُ، أَوْلِيَاؤُهُ وَيَثْبُتَ لِصَاحِبِ الْخَطَإِ بِالْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - وَبِهِ نَأْخُذُ وَهِيَ فِي مِثْلِ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْغَصْبِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْغَصْبِ
وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةٍ وَابْنِهَا شَاهِدًا أَنَّهُمَا لَهُ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا لَهُ وَابْنَهَا لَهُ وُلِدَ مِنْهُ حَلَفَ أَيْضًا وَقُضِيَ لَهُ بِالْجَارِيَةِ، وَكَانَتْ وَابْنُهَا لَهُ، وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَشَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَيَمِينِهِ
(قَالَ): وَلَوْ أَقَامَ شَاهِدٌ بِأَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَيْهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَكَانَتْ الدَّارُ صَدَقَةً عَلَيْهِ كَمَا شَهِدَ شَاهِدُهُ، وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ أَبَاهُ تَصَدَّقَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَلَيْهِ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً مَوْقُوفَةً وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ مَوْقُوفَةً فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَوْلَادِهِمْ، أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ حَلَفُوا وَثَبَتَتْ حُقُوقُهُمْ، فَمَنْ حَلَفَ ثَبَتَ حَقُّهُ لَهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا بَالُ الرَّجُلِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ عَلَيْهِ دَارًا وَعَلَى أَخَوَيْنِ لَهُ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بَعْدَهُمْ أَحَلَفْته وَأَثْبَتَ حَقَّهُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنْ حَلَفَ أَخَوَاهُ ثَبَتَ حَقُّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُمَا بِثُبُوتِ حَقِّهِ قِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّا أَخْرَجْنَا الدَّارَ مِنْ مِلْكِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ بِيَمِينِ مَنْ شَهِدَ لَهُ فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ لِثَلَاثَةٍ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ فَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِذَا حَلَفُوا مَعًا فَأُخْرِجَتْ الدَّارُ مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مَنْ حَلَفَ فَكَانَتْ بِكَمَالِهَا لِمَنْ حَلَفَ حَيَاتَهُ فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فِيهَا لَهُمْ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ وَقَفَتْ عَلَيْهِ إذَا مَاتُوا يَقُومُ مَقَامَ الْوَارِثِ لَهُمْ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ بِدَارٍ فَحَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِهَا فَإِنْ مَاتَ كَانَتْ لِوَارِثِهِ بَعْدَهُ وَلَا يَمِينَ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى فِيهَا بِيَمِينِ الَّذِي أَقَامَ الشَّاهِدُ لَهُ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْرُوثَةٌ عَنْ الَّذِي حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَإِنْ حَلَفَ أَخُوهُ فَهِيَ عَلَيْهِمَا مَعَهُ، ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَإِنْ أَبَى أَخَوَاهُ أَنْ يَحْلِفَا فَنَصِيبُهُ مِنْهَا وَهُوَ الثُّلُثُ صَدَقَةٌ كَمَا شَهِدَ شَاهِدُهُ، ثُمَّ نَصِيبُهُ بَعْدُ مِنْهَا عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ بِهِ أَبُوهُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَبَعْدَ أَخَوَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الِاثْنَيْنِ نَحْنُ نَحْلِفُ عَلَى مَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ الِاثْنَانِ فَلَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ مَالِكُونَ حِينَ كَانُوا إذَا حَلَفُوا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِمْ الَّذِي جَعَلَ لَهُمْ مِلْكَهُ إذَا مَاتَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنَّمَا قُلْنَا يَمْلِكُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالْيَمِينِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ، وَالْآثَارَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِلْكٌ صَحِيحٌ إذَا أَخْرَجَ الْمُتَصَدِّقُ مِنْ مِلْكِهِ أَرْضَهُ صَدَقَةً عَلَى أَقْوَامٍ بِعَيْنِهِمْ، ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ فَمَلَكَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ مَا مَلَّكَهُمْ الْمُتَصَدِّقُ كَمَا مَلَّكَهُمُوهُ فَهَذَا مِلْكٌ صَحِيحٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا قَضَيْنَا بِأَنَّ مِلْكَ الْمُتَصَدِّقِ يَتَحَوَّلُ إلَى مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمْ كَمَا مَلَّكَهُمْ فَهَذَا تَحْوِيلُ مِلْكِ مَالٍ إلَى مَالِكٍ يَنْتَفِعُ بِهِ انْتِفَاع
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute