رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ بَعْدَ تَفَرُّقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ سَاعَةً؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ إلَى الْبَائِعِ وَيَدْفَعَ الْبَائِعُ جَارِيَتَهُ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِجَارِيَتِهِ، وَلَوْ زَعَمْنَا أَنَّ لَهُمَا أَنْ يَنْتَفِعَا زَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمَا إنْ شَاءَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرُدَّ رَدَّ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَصْلِ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ أَبِيعَ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهَا صَاحِبُهَا لِأَنِّي إذَا شَرَطْت عَلَيْهِ هَذَا فَقَدْ نَقَصْته مِنْ الْمِلْكِ شَيْئًا وَلَا يَصْلُحُ أَنْ أَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ آخُذُهُ مِنْهُ إلَّا مَا مِلْكُهُ عَلَيْهِ تَامٌّ فَقَدْ نَقَصْته بِشَرْطِ الْخِيَارِ كُلَّ الْمِلْكِ حَتَّى حَظَرْته عَلَيْهِ وَأَصْلُ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ لَوْلَا الْخَبَرُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّا نُفْسِدُ الْبَيْعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ مِمَّا ذَكَرْت فَلَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْمُصْرَاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ بَعْدَ الْبَيْعِ» وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّهُ جَعَلَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ» انْتَهَيْنَا إلَى مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْخِيَارِ وَلَمْ نُجَاوِزْهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَك أَنَّ أَمْرَهُ بِهِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَدِّ لِغَايَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُصَرَّاةَ قَدْ تُعْرَفُ تَصْرِيَتُهَا بَعْدَ أَوَّلِ حَلْبَةٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي يَوْمَيْنِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِيهَا فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ إنَّمَا هُوَ لِيَعْلَمَ اسْتِبَانَةَ عَيْبِ التَّصْرِيَةِ أَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْخِيَارُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ طَالَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ كَمَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْعَيْبِ إذَا عَلِمَهُ بِلَا وَقْتٍ طَالَ ذَلِكَ، أَوْ قَصُرَ، وَلَوْ كَانَ خِيَارُ حِبَّانَ إنَّمَا كَانَ لِاسْتِشَارَةِ غَيْرِهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَشِيرَهُ فِي مُقَامِهِ وَبَعْدَهُ بِسَاعَةٍ وَأَمْكَنَ فِيهِ أَنْ يَدَعَ الِاسْتِشَارَةَ دَهْرًا فَكَانَ الْخَبَرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ خِيَارَ ثَلَاثٍ أَقْصَى غَايَةِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُجَاوِزَهُ وَمَنْ جَاوَزَهُ كَانَ عِنْدَنَا مُشْتَرِطًا بَيْعًا فَاسِدًا
(قَالَ): وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ بَيْعًا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ يَوْمًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ الْمُشْتَرِي ضَامِنٌ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى بَيْعٍ وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ هُوَ أَمِينٌ فِي ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْ أَنَّ الْخِيَارَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ فِي قَوْلِهِمَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، أَوْ أَقَلَّ وَقَبَضَهُ فَمَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نُضَمِّنَهُ ثَمَنَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ وَمَنَعْنَا أَنْ نَطْرَحَ الضَّمَانَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إلَّا عَلَى بَيْعٍ يَأْخُذُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِهِ عِوَضًا فَلَا نَجْعَلُ الْبَيْعَ إلَّا مَضْمُونًا وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ أَمِينًا فِيهِ إنَّمَا يَكُونُ الرَّجُلُ أَمِينًا فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْفَعَةً عَاجِلَةً وَلَا آجِلَةً وَإِنَّمَا يُمْسِكُهُ لِمَنْفَعَةِ رَبِّهِ لَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، أَوْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ حَتَّى مَاتَ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا وَلَمْ يَبِعْ النِّصْفَ الْآخَرَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدْ كَانَ الْبَائِعُ دَلَّسَهُ لَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا وَلَا يَرْجِعَ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ، وَيَقُولَ رُدَّ الْجَارِيَةَ كُلَّهَا كَمَا أَخَذْتهَا وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك وَبِهِ يَأْخُذُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ يَرُدُّ مَا فِي يَدِهِ مِنْهَا عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ ثَمَنِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمَا فِي الثِّيَابِ وَفِي كُلِّ بَيْعٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْجَارِيَةَ، أَوْ الثَّوْبَ، أَوْ السِّلْعَةَ فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنْهَا عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ نَقْصِ الْعَيْبِ مِنْ أَصْلِ الثَّمَنِ وَيُقَالُ لَهُ رُدَّهَا كَمَا هِيَ، أَوْ احْبِسْ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنَقْصِ الْعَيْبِ إذَا مَاتَتْ الْجَارِيَةُ، أَوْ أُعْتِقَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute