تُبِيحَ الْمُحَرَّمَ بِإِحَاطَةٍ بِغَيْرِ إحَاطَةٍ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ: مَا هُوَ؟.
قُلْت مَا تَقُولُ فِي هَذَا لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ أَمُحَرَّمُ الدَّمِ وَالْمَالِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا وَأَخَذَ مَالَهُ فَهُوَ هَذَا الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَالَ: أَقْتُلُهُ قَوَدًا وَأَدْفَعُ مَالَهُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ إلَى وَرَثَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ قَالَ: قُلْت أَوَيُمْكِنُ فِي الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَشْهَدَا بِالْكَذِبِ وَالْغَلَطِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَكَيْفَ أَبَحْتَ الدَّمَ وَالْمَالَ الْمُحَرَّمَيْنِ بِإِحَاطَةٍ بِشَاهِدَيْنِ وَلَيْسَا بِإِحَاطَةٍ قَالَ: أُمِرْت بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ قُلْت أَفَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَصًّا أَنْ تَقْبَلَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ؟.
قَالَ: لَا وَلَكِنْ اسْتِدْلَالًا أَنِّي لَا أُؤْمَرُ بِهَا إلَّا بِمَعْنًى قُلْت: أَفَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ لِحُكْمٍ غَيْرِ الْقَتْلِ مَا كَانَ الْقَتْلُ يَحْتَمِلُ الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ؟ قَالَ: فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا أَنَّ الْقَتْلَ بِشَاهِدَيْنِ قُلْنَا: الْكِتَابُ مُحْتَمِلٌ لِمَعْنَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا تُخْطِئَ عَامَّتُهُمْ مَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَقُلْت لَهُ أَرَاك قَدْ رَجَعْت إلَى قَبُولِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ دُونَهُ قَالَ: ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَيَّ وَقُلْت لَهُ: نَجِدُك إذًا أَبَحْت الدَّمَ وَالْمَالَ الْمُحَرَّمَيْنِ بِإِحَاطَةٍ بِشَهَادَةٍ وَهِيَ غَيْرُ إحَاطَةٍ؟ قَالَ كَذَلِكَ أُمِرْت: قُلْت: فَإِنْ كُنْت أُمِرْت بِذَلِكَ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَقَبِلْتَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ وَإِنَّا لَنَطْلُبُ فِي الْمُحَدِّثِ أَكْثَرَ مِمَّا نَطْلُبُ فِي الشَّاهِدِ فَنُجِيزُ شَهَادَةَ الْبَشَرِ لَا نَقْبَلُ حَدِيثَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَنَجِدُ الدَّلَالَةَ عَلَى صِدْقِ الْمُحَدِّثِ وَغَلَطِهِ مِمَّنْ شَرِكَهُ مِنْ الْحُفَّاظِ وَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَفِي هَذَا دَلَالَاتٌ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي الشَّهَادَاتِ قَالَ: فَأَقَامَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ التَّفْرِيقِ فِي رَدِّ الْخَبَرِ وَقَبُولِ بَعْضِهِ مَرَّةً وَرَدِّ مِثْلِهِ أُخْرَى مَعَ مَا وَصَفْت مِنْ بَيَانِ الْخَطَأِ فِيهِ وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِمْ وَفِيمَا وَصَفْنَا هَهُنَا وَفِي الْكِتَابِ قَبْلَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ فَقَالَ لِي: قَدْ قَبِلْت مِنْك أَنْ أَقْبَلَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمْت أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ بِمَا وَصَفْت مِنْ فَرْضِ اللَّهِ طَاعَتَهُ فَأَنَا إذَا قَبِلْت خَبَرَهُ فَعَنْ اللَّهِ قَبِلْت مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَعَلِمْت مَا ذَكَرْت مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ إلَّا عَلَى حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَفَرَأَيْت مَا لَمْ نَجِدْهُ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا أَسْمَعُك تَسْأَلُ عَنْهُ فَتُجِيبُ بِإِيجَابِ شَيْءٍ وَإِبْطَالِهِ مِنْ أَيْنَ وَسِعَك الْقَوْلُ بِمَا قُلْت مِنْهُ؟ وَأَتَى لَك بِمَعْرِفَةِ الصَّوَابِ وَالْخَطَأِ فِيهِ؟.
وَهَلْ تَقُولُ فِيهِ اجْتِهَادًا عَلَى عَيْنٍ مَطْلُوبَةٍ غَائِبَةٍ عَنْك أَوْ تَقُولُ فِيهِ مُتَعَسِّفًا؟ فَمَنْ أَبَاحَ لَك أَنْ تُحِلَّ وَتُحَرِّمَ وَتُفَرِّقَ بِلَا مِثَالٍ مَوْجُودٍ تَحْتَذِي عَلَيْهِ؟ فَإِنْ أَجَزْت ذَلِكَ لِنَفْسِك جَازَ لِغَيْرِك أَنْ يَقُولَ بِمَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ بِلَا مِثَالٍ يَصِيرُ إلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ تُوجَدُ عَلَيْهِ يَعْرِفُ بِهَا خَطَؤُهُ مِنْ صَوَابِهِ فَأَيْنَ مِنْ هَذَا إنْ قَدَّرْت مَا تَقُومُ لَك بِهِ الْحُجَّةُ وَإِلَّا كَانَ قَوْلُك بِمَا لَا حُجَّةَ لَك فِيهِ مَرْدُودًا عَلَيْك فَقُلْت لَهُ: لَيْسَ لِي وَلَا لِعَالِمٍ أَنْ يَقُولَ فِي إبَاحَةِ شَيْءٍ وَلَا حَظْرِهِ وَلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحَدٍ وَلَا إعْطَائِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ ذَلِكَ نَصًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ خَبَرٍ يَلْزَمُ فَمَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَلَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقُولَهُ بِمَا اسْتَحْسَنَّا وَلَا بِمَا خَطَرَ عَلَى قُلُوبِنَا وَلَا نَقُولُهُ إلَّا قِيَاسًا عَلَى اجْتِهَادٍ بِهِ عَلَى طَلَبِ الْأَخْبَارِ اللَّازِمَةِ وَلَوْ جَازَ لَنَا أَنْ نَقُولَهُ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ مِنْ قِيَاسٍ يُعْرَفُ بِهِ الصَّوَابُ مِنْ الْخَطَأِ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَعَنَا بِمَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ وَلَكِنْ عَلَيْنَا وَعَلَى أَهْلِ زَمَانِنَا أَنْ لَا نَقُولَ إلَّا مِنْ حَيْثُ وَصَفْت فَقَالَ الَّذِي أَعْرِفُ أَنَّ الْقَوْلَ عَلَيْك ضَيِّقٌ إلَّا بِأَنْ يَتَّسِعَ قِيَاسًا كَمَا وَصَفْت وَلِي عَلَيْك مَسْأَلَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ تَذْكُرَ الْحُجَّةَ فِي أَنَّ لَك أَنْ تَقِيسَ وَالْقِيَاسُ بِإِحَاطَةٍ كَالْخَبَرِ إنَّمَا هُوَ اجْتِهَادٌ فَكَيْفَ ضَاقَ أَنْ تَقُولَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؟ وَاجْعَلْ جَوَابَك فِيهِ أَخْصَرَ مَا يَحْضُرُك قُلْت إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَالتَّبْيِينُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مَا بَيَّنَ فَرْضَهُ فِيهِ وَمِنْهَا مَا أَنْزَلَهُ جُمْلَةً وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِهِ وَدَلَّ عَلَى مَا يُطْلَبُ بِهِ بِعَلَامَاتٍ خَلَقَهَا فِي عِبَادِهِ دَلَّهُمْ بِهَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَمَرَهُمْ بِطَلَبِ مَا افْتَرَضَ ذَلِكَ - ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute