ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِعْطَاءُ الْجِزْيَةِ إذَا لَزِمَهُمْ فَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ خَوَلًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ أَوْ كَانَ خَوَلًا لَهُمْ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ جِزْيَةً فَيَكُونَ كَالْعَبْدِ الْمُخَارِجِ فِي بَعْضِ حَالَاتِهِ كُفُؤًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا بِهَذَا وَبِأَنْ أَنْعَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَحَلَّ لَهُمْ حَرَائِرَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحَرَّمَ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ مَعَ مَا يَفْتَرِقُونَ فِيهِ سِوَى هَذَا قَالَ إنَّ فِيمَا دُونَ هَذَا لَفَرْقًا وَلَكِنْ مَا السُّنَّةُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ الْفَتْحِ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قَالَ هَذَا مُرْسَلٌ قُلْت نَعَمْ وَقَدْ يَصِلُهُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ وَلَكِنْ فِيهِ حَدِيثٌ مِنْ أَحْسَنِ إسْنَادِكُمْ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقُلْت هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي الْقُرْآنِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قُلْت وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عِنْدَنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» غَيْرَ أَنَّا تَأَوَّلْنَاهُ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَذَهَبْنَا إلَى أَنَّهُ عَنَى الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ حَلَالٌ فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ دَمَهُ الْعَهْدُ فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَهُ بِهِ فَقُلْنَا حَدِيثُ سَعِيدٍ مُرْسَلٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا هُوَ عَلَيْك مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ فَمَا مَعْنَاهُ؟ قُلْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ»
، ثُمَّ إنْ كَانَ قَالَ «وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَإِنَّمَا قَالَ وَلَا يُقْتَلُ ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ إذْ سَقَطَ الْقَوَدُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ قَتْلُ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مِنْ الْكَافِرِينَ قَالَ فَيَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَ هَذَا؟ قُلْنَا لَوْ احْتَمَلَهُ كَانَ هَذَا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ قَالَ وَمَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ الظَّاهِرُ؟ قُلْنَا لِأَنَّ ذَوِي الْعَهْدِ مِنْ الْكَافِرِينَ كُفَّارٌ قَالَ فَهَلْ مِنْ سُنَّةٍ تُبَيِّنُ هَذَا؟ قُلْنَا نَعَمْ وَفِيهِ كِفَايَةٌ قَالَ وَأَيْنَ هِيَ؟ قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فَهَلْ زَعَمْت أَنَّ هَذَا عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرِ أَهْلِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ قَدْ تَأَوَّلْت فِيهِ مِثْلَ مَا تَأَوَّلْت فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ؟ قَالَ لَا وَلَكِنَّهَا عَلَى الْكَافِرِينَ مَنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ قُلْنَا وَلَا تَجِدُ بُدًّا إذَا كَانَ هَذَا صَوَابًا عِنْدَك مِنْ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ صَوَابًا فَتَرُدُّ هَذَا فَتَقُولُ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ وَلَا يَرِثُهُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَتُبَعِّضُهُ كَمَا بَعَّضْت حَدِيثَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» قَالَ مَا أَقُولُهُ قُلْنَا لِمَ؟ أَلِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَحْتَمِلُهُ؟ قَالَ بَلَى هُوَ يَحْتَمِلُهُ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُهُ قُلْنَا فَكَذَلِكَ ظَاهِرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت وَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مُعَاذًا وَمُعَاوِيَةَ وَرَّثَا مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ
، ثُمَّ تَرَكْت الَّذِي رَوَيْت نَصًّا عَنْهُمَا وَقُلْت لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
، ثُمَّ أَرَدْت أَنْ تَجْعَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ مُتَأَوِّلًا حُجَّةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَأْتِيك بِنَفْسِهِ فَلَا تَقْبَلُهُ مِنْهُ وَتَقُولُ رَجُلٌ مِنْ التَّابِعِينَ لَا يَلْزَمُنِي قَوْلُهُ قَالَ فَلَيْسَ بِهَذَا وَحْدَهُ قُلْته قُلْنَا وَقَدْ يَلْزَمُك فِي هَذَا تَرْكُ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ لِأَنَّك إذَا لَمْ تَقِدْ الْمُسْلِمَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْت فَقَدْ لَا تَقِيدُهُ وَلَهُ عَهْدٌ قَالَ وَأَيْنَ قُلْت؟ الْمُسْتَأْمَنُ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ لَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَلَهُ عَهْدٌ هُوَ بِهِ حَرَامُ الدَّمِ وَالْمَالِ فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْك حُجَّةٌ إلَّا هَذَا لَزِمَتْك قَالَ وَيُقَالُ لِهَذَا مُعَاهِدٌ؟ قُلْنَا نَعَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute