وَالْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ مُؤْمِنًا يَحْتَمِلُ مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنَةً كَمَا يَحْتَمِلُ الْمُؤْمِنِينَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْكَافِرِينَ الَّذِينَ ذُكِرَ مُنْفَرِدًا فِيهِ أَوَرَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْجَنِينَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَةٌ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَدِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ؟ قَالَ بَلَى قُلْت لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى مُؤْمِنٍ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَلِمَ زَعَمْت أَنَّ دِيَتَهُ خَمْسُونَ دِينَارًا وَهُوَ مُسَاوٍ فِي الرَّقَبَةِ أَوْ رَأَيْت الرَّجُلَ يَقْتُلُ الْعَبْدَ أَلَيْسَ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُؤْمِنًا؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَفِيهِ دِيَةٌ أَوْ هِيَ قِيمَتُهُ؟ قَالَ بَلْ هِيَ قِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ قُلْت فَتَرَى الدِّيَاتِ إذَا لَزِمَتْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَاتِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ وَأَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَوَاءٌ فِيهِ أَعْلَاهُمْ وَأَدْنَاهُمْ سَاوَيْت بَيْنَ دِيَاتِهِمْ قَالَ لَا.
قُلْت فَلِمَ أَرَدْت أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الرَّقَبَةِ وَأَنْ تُلْزِمَ قَاتِلَهُمَا أَنْ يُؤَدِّيَ دِيَةً وَلَمْ تُسَوِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَوْلَى أَنْ تُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَ بَعْضِ النَّاسِ إنَّ مِمَّا قَتَلْنَا بِهِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ وَالْحُرَّ بِالْعَبْدِ آيَتَيْنِ قُلْنَا فَاذْكُرْ إحْدَاهُمَا فَقَالَ إحْدَاهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} قُلْت وَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ حَكَمَ بَيْنَنَا؟ قَالَ نَعَمْ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ قَدْ نَسَخَهُ عَنَّا فَلَمَّا قَالَ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ كُلُّ نَفْسٍ بِكُلِّ نَفْسٍ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ الْمَقْتُولَةُ مُحَرَّمَةً أَنْ تُقْتَلَ قُلْنَا فَلَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَحْتَجَّ عَلَيْك بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِك إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فَزَعَمْت أَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ مُفْرَدَةً وَحُكْمًا سَادِسًا جَامِعًا فَخَالَفْت جَمِيعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَحْكَامِ الَّتِي بَعْدَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَالْحُكْمُ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ جَمَعْتهمَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ وَالرَّجُلِ يَقْتُلُ الْمَرْأَةَ فَزَعَمْت أَنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِعَيْنِهَا وَلَا عَيْنَ الْعَبْدِ وَلَا أَنْفَهُ بِأَنْفِهَا وَلَا أَنْفَ الْعَبْدِ وَلَا أُذُنَهُ بِأُذُنِهَا وَلَا أُذُنَ الْعَبْدِ وَلَا سِنَّهُ بِسِنِّهَا وَلَا سِنَّ الْعَبْدِ وَلَا جُرُوحَهُ كُلَّهَا بِجُرُوحِهَا وَلَا جُرُوحَ الْعَبْدِ وَقَدْ بَدَأْت أَوَّلًا بِاَلَّذِي زَعَمْت أَنَّك أَخَذْت بِهِ فَخَالَفْته فِي بَعْضٍ وَوَافَقْته فِي بَعْضٍ فَزَعَمْت أَنَّ الرَّجُلَ يَقْتُلُ عَبْدَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ ابْنَهُ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَيَقْتُلُ الْمُسْتَأْمَنَ فَلَا تَقْتُلُهُ بِهِ وَكُلُّ هَذِهِ نُفُوسٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ اتَّبَعْت فِي هَذَا أَثَرًا قُلْنَا فَتُخَالِفُ الْأَثَرَ الْكِتَابَ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَالْكِتَابُ إذًا عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلْت فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَ أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا تَأَوَّلْت؟ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ دَعْ هَذَا فَهُوَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ قَالَ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فَقَوْلُهُ {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَلِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ قِيلَ لَهُ فَيُعَادُ عَلَيْك ذَلِكَ الْكَلَامُ بِعَيْنِهِ فِي الِابْنِ يَقْتُلُهُ أَبُوهُ وَالْعَبْدِ يَقْتُلُهُ سَيِّدُهُ وَالْمُسْتَأْمَنِ يَقْتُلُهُ الْمُسْلِمُ قَالَ فَلِي مِنْ كُلِّ هَذَا مَخْرَجٌ قُلْت فَاذْكُرْ مَخْرَجَك قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الدَّمَ إلَى الْوَلِيِّ كَانَ الْأَبُ وَلِيًّا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ قُلْنَا أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ بَالِغٌ أَتُخْرِجُ الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَتَجْعَلُ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَهُ؟ قَالَ لَا أَفْعَلُ قُلْت فَلَا تُخْرِجْهُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ؟ قَالَ لَا.
قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي ابْنِ عَمٍّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَوَارِثُهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ وَكَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ أَفَتَجْعَلُ لِلْأَبْعَدِ أَنْ يَقْتُلَ الْأَقْرَبَ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَمِنْ أَيْنَ وَهَذَا وَلِيُّهُ وَهُوَ قَاتِلٌ قَالَ الْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ قُلْنَا وَالْقَاتِلُ يَخْرُجُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا فَلِمَ لَمْ تُخْرِجْ الْأَبَ مِنْ الْوِلَايَةِ وَأَنْتَ تُخْرِجُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ؟ قَالَ اتَّبَعْت فِي الْأَبِ الْأَثَرَ قُلْنَا فَالْأَثَرُ يَدُلُّك عَلَى خِلَافِ مَا قُلْت قَالَ فَاتَّبَعْت فِيهِ الْإِجْمَاعَ قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّك عَلَى خِلَافِ مَا تَأَوَّلْت فِيهِ الْقُرْآنَ قُلْنَا فَالْعَبْدُ يَكُونُ لَهُ ابْنٌ حُرٌّ فَيَقْتُلُهُ مَوْلَاهُ أَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَيَكُونُ لِابْنِهِ أَنْ يَقْتُلَ مَوْلَاهُ؟ قَالَ لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت فَالْمُسْتَأْمَنُ يَكُونُ مَعَهُ ابْنُهُ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُسْلِمَ الَّذِي قَتَلَهُ قَالَ لَا بِالْإِجْمَاعِ قُلْت أَفَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ الْكِتَابِ؟ قَالَ لَا قُلْنَا فَالْإِجْمَاعُ إذًا يَدُلُّك عَلَى أَنَّك قَدْ أَخْطَأْت فِي تَأْوِيلِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْنَا لَهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ إلَّا مَنْ مَذْهَبُهُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُؤْمِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute