وَكُلٌّ أَنْعَمَ فِيهِ عَلَيْهِمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَكَانَ فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيمَا مَلَّكَهُمْ زَكَاةً أَبَانَ أَنَّ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقًّا لِغَيْرِهِمْ فِي وَقْتٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْمَالِ وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَكَانَ بَيِّنًا فِيمَا وَصَفْت، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامَّ الْمِلْكِ مِنْ حُرٍّ لَهُ مَالٌ فِيهِ زَكَاةٌ سَوَاءٌ فِي أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضَ الزَّكَاةِ بَالِغًا كَانَ، أَوْ صَحِيحًا، أَوْ مَعْتُوهًا، أَوْ صَبِيًّا؛ لِأَنَّ كُلًّا مَالِكٌ مَا يَمْلِكُ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ فِي مِلْكِهِ مَا يَجِبُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ الزَّكَاةَ عَنْ الْأَحَادِيثِ كَمَا يَلْزَمُ الصَّبِيَّ، وَالْمَعْتُوهَ نَفَقَةُ مَنْ تَلْزَمُ الصَّحِيحَ الْبَالِغَ نَفَقَتُهُ وَيَكُونُ فِي أَمْوَالِهِمَا جِنَايَتُهُمَا عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ كَمَا يَكُونُ فِي مَالِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ، وَكُلُّ هَذَا حَقٌّ لِغَيْرِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَوَاءٌ كُلُّ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ نَاضٍّ وَمَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ وَغَيْرِهِ، فَمَا وَجَبَ عَلَى الْكَبِيرِ الْبَالِغِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَجَبَ عَلَى الصَّغِيرِ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَالْمَعْتُوهُ وَكُلُّ حُرٍّ مُسْلِمٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ابْتَغَوْا فِي مَالِ الْيَتِيمِ، أَوْ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى حَتَّى لَا تُذْهِبَهَا، أَوْ لَا تَسْتَهْلِكَهَا الصَّدَقَةُ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ: إنَّ عِنْدنَا مَالَ يَتِيمٍ قَدْ أَسْرَعْت فِيهِ الزَّكَاةَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلِينِي أَنَا وَأَخَوَيْنِ لِي يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِهَا، فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ.
بَابُ زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ الثَّانِي
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ كَمَا فِي مَالِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فَلَمْ يَخُصَّ مَالًا دُونَ مَالٍ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا كَانَتْ لِيَتِيمٍ ذَهَبٌ، أَوْ وَرِقٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَذَهَبَ إلَى أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَقَالَ: كَيْف يَكُونُ عَلَى يَتِيمٍ صَغِيرٍ فَرْضُ الزَّكَاةِ، وَالصَّلَاةُ عَنْهُ سَاقِطَةٌ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْفَرَائِضِ؟ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَزْنِي وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ فَلَا يُحَدُّ وَيَكْفُرُ فَلَا يُقْتَلُ؟ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» ثُمَّ ذَكَرَ «، وَالصَّبِيُّ حَتَّى يَبْلُغَ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: إنْ كَانَ مَا احْتَجَجْت عَلَى مَا احْتَجَجْت فَأَنْتَ تَارِكٌ مَوَاضِعَ الْحُجَّةِ؛ قَالَ: وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ الْمَاشِيَةَ، وَالزَّرْعَ إذَا كَانَا لِيَتِيمٍ كَانَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ؟ فَإِنْ زَعَمْت أَنْ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ فَقَدْ أَخَذْتهَا فِي بَعْضِ مَالِهِ وَلَعَلَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ وَظَلَمْته فَأَخَذَتْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ فِي مَالِهِ الزَّكَاةَ فَقَدْ تَرَكْت زَكَاةَ ذَهَبِهِ وَوَرِقِهِ أَرَأَيْت لَوْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ هَذَا فَقَالَ: آخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ ذَهَبِهِ وَوَرِقِهِ وَلَا آخُذُهَا مِنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ، هَلْ كَانَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مَعْنَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ، أَوْ يَكُونُ خَارِجًا مِنْهَا بِأَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ فَلَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ الزَّكَاةُ؟ أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمْت أَنَّ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ فَكَيْفَ أَخْرَجْته مَرَّةً مِنْ زَكَاةٍ وَأَدْخَلْته فِي أُخْرَى؟ أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمْت أَنَّهُ لَا فَرْضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَذَهَبْت إلَى أَنَّ الْفَرَائِضَ تَثْبُتُ مَعًا وَتَزُولُ مَعًا، وَأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِالْفَرَائِضِ هُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute